إلَّا أَنْ يُسْلَمَ.
وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْمُحَارِبُ لَا عَفْوَ فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ فَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ.
[أَحْكَامِ الْمُحَارِب]
وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُ فَيَسَعُ الْإِمَامَ فِيهِ اجْتِهَادُهُ بِقَدْرِ جُرْمِهِ وَكَثْرَةِ مُقَامِهِ فِي فَسَادِهِ فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ يُقَطِّعُهُ مِنْ خِلَافٍ أَوْ
ــ
[الفواكه الدواني]
إسْلَامُهُ وَلَا يُجْعَلُ سَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ، لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى قَتْلِنَا وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدَنَا قَتَلْنَاهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا بِهِ كُفْرٌ كَيَا سَاحِرًا، أَوْ قَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنَّمَا أُرْسِلَ إلَيْنَا عِيسَى لَا مُحَمَّدٌ، وَالْيَهُودِيُّ إنَّمَا رَسُولُنَا مُوسَى، وَكَذَا لَوْ سَبَّ اللَّهَ بِمَا بِهِ كُفْرٌ كَقَوْلِ النَّصْرَانِيِّ: اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، أَوْ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَكَقَوْلِ الْيَهُودِيِّ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَنَّ شَرْعَنَا أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَلَا يُقْتَلُونَ بِهِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَيَتَقَضَّى أَمَدُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقَتْلِ، لِأَنَّ حِلَّ أَخْذِهَا مُغَيَّا بِنُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّبِّ بِمَا لَمْ يُكْفَرْ بِهِ، وَبَيْنَ السَّبِّ بِمَا بِهِ كُفْرٌ، فَيُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ أَيْضًا، فَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ حَتَّى ادَّعَى أَنَّ الْمَشْهُورَ قَتْلُ الذِّمِّيِّ بِمُطْلَقِ السَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا بِهِ كُفْرٌ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَتْلَ السَّابِّ مُقَيَّدٌ بِسَبِّ مَنْ أُجْمِعَ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَأُمِّ مُوسَى وَالْخَضِرِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَالْحَوَارِيِّينَ وَإِخْوَةِ يُوسُفَ، وَكَذَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِي مَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ فَإِنَّهُ يُنَكَّلُ نَكَالًا شَدِيدًا كَمَا أَشَرْنَا لَهُ سَابِقًا، كَمَا يُنَكَّلُ مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا إلَّا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهُ إنْ رَمَاهَا بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ زَنَتْ، أَوْ يُنْكِرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ إسْلَامَ الْعَشْرَةِ أَوْ إسْلَامَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ أَوْ وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَإِنْ نَاقَشَ الْأُجْهُورِيُّ فِي بَعْضِهِ،
[مِيرَاث الْمُرْتَدّ]
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْتُولُ حَدًّا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ لِمَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَنْ قُتِلَ كُفْرًا قَالَ: (وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ) الْحُرِّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ (لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَإِلَّا فَفَيْءٌ، أَيْ وَأَمَّا مَالُ الْحُرِّ الَّذِي مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ كُفَّارًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ مَالَهُ يَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ وَالسَّابِّ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْمُحَارِبِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِرَابَةِ وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْخُرُوجُ لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ أَوْ خَوْفِهِ أَوْ إذْهَابِ عَقْلٍ أَوْ قَتْلِ خُفْيَةٍ، وَلِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا لِإِمَارَةٍ وَلَا نَائِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا: وَالْخَنَّاقُونَ الَّذِينَ يَسْقُونَ النَّاسَ السَّيْكَرَانَ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ مُحَارِبُونَ فَالْمُقَاتِلُ لِيَكُونَ أَمِيرًا أَوْ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُقَاتِلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّائِرَةِ لَا يَكُونُ مُحَارِبًا فَقَالَ: (وَالْمُحَارِبُ) اسْم فَاعِلٍ وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمُجَرَّدِ مَنْعِ السُّلُوكِ، أَوْ آخِذٍ بِالْمَدِّ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ، أَوْ الَّذِي يُغَيِّبُ عَقْلَ غَيْرِهِ لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، أَوْ الْمُخَادِعُ لِنَحْوِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا وَيَقْتُلَهُ وَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، أَوْ الدَّاخِلُ فِي زُقَاقٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِيَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ التَّغَلُّبِ وَالْقَهْرِ.
(لَا عَفْوُ) جَائِزٌ (فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ) وَأُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ لِأَنَّ حَدَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ.
(فَإِنْ قَتَلَ) أَيْ الْمُحَارِبُ (أَحَدًا فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ) حَيْثُ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ مُبَاشَرَتُهُ لِلْقَتْلِ بَلْ وَلَوْ شَارَكَ فِيهِ بِإِعَانَةٍ كَضَرْبٍ أَوْ إمْسَاكٍ بَلْ وَلَوْ بِالْمُمَالَأَةِ، وَلَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ حَدُّ الْحِرَابَةِ لَا حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَمَعْنَى وُجُوبِ الْقَتْلِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ قَتْلِ الْعَمْدِ، أَمَّا الْقِصَاصُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَ الْمُحَارِبِ إذَا وَجَبَ قَتْلُهُ حَقٌّ لِلَّهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَلَا يُقْبَلُ عَفْوُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْ الْحِرَابَةِ فَيَسْقُطُ حَدُّهَا فَقَطْ، وَيَتَمَحَّضُ الْحَقُّ لِلْآدَمِيِّ فَلَهُ قَتْلُهُ قِصَاصًا إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُكَافِئًا لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُحَارِبِ يَجِبُ قَتْلُهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا، شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حَدِّهِ إذَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا بِقَوْلِهِ: (وَ) أَمَّا (إنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا) فَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَحِينَئِذٍ (فَيَسْعَى) أَيْ يَفْعَلُ (الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ بِقَدْرِ جُرْمِهِ) أَيْ بِحَسْبِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْمَعَاصِي فِي زَمَنِ مُحَارَبَتِهِ.
(وَكَثْرَةِ مَقَامِهِ) أَيْ طُولِ إقَامَتِهِ.
(فِي فَسَادِهِ) فَيُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ إنْ كَانَ ذَكَرًا حُرًّا وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِمَّا قَتَلَهُ) ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ لَكِنْ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: نَاشَدْتُك اللَّهَ إلَّا مَا خَلَّيْت سَبِيلِي إنْ لَمْ يُعَالَجْ إلَّا بِالْقَتْلِ وَإِلَّا قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ مُنَاشَدَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: فَيُقْتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ إنْ أَمْكَنَ (أَوْ) أَيْ وَإِمَّا (صَلَبَهُ) حَيًّا بِأَنْ يُرْبَطَ عَلَى جِذْعٍ مِنْ غَيْرِ تَنْكِيسٍ (ثُمَّ قَتَلَهُ) بَعْدَ الصَّلْبِ فَالصَّلْبُ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَقْتُلَهُ فَمَاتَ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَصْلُبْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ مِنْ الْحُدُودِ شَيْئًا، وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحَبْسِ لَصَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ حَدِّهِ.
(أَوْ) أَيْ وَإِمَّا (يُقَطِّعُهُ