للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا إيَّاهُ،

وَأَمَرَ بِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَهُوَ الْحَلَالُ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْكُلَ إلَّا طَيِّبًا وَلَا تَلْبَسَ إلَّا طَيِّبًا وَلَا تَرْكَبَ إلَّا طَيِّبًا وَلَا تَسْكُنَ إلَّا طَيِّبًا وَتَسْتَعْمِلَ سَائِرَ مَا تَنْتَفِعُ بِهِ طَيِّبًا وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ مُشْتَبِهَاتٌ مَنْ تَرَكَهَا سَلِمَ وَمَنْ،

ــ

[الفواكه الدواني]

خُرُوجِ (دَمِ حَيْضِهِنَّ أَوْ) زَمَنِ خُرُوجِ دَمِ (نِفَاسِهِنَّ) وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَمْنُوعِ: أَوْ تَحْتَ إزَارٍ وَلَوْ بَعْدَ نَقَاءٍ وَتَيَمُّمٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَهُمَا خَارِجَانِ، فَلَا يَحِلُّ التَّمَتُّعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ، وَأَمَّا النَّظَرُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، وَأَمَّا التَّمَتُّعُ بِغَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مِمَّا هُوَ فَوْقَ السُّرَّةِ أَوْ نَزَلَ عَنْ الرُّكْبَةِ أَوْ بِهِمَا فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَلَوْ بِالْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْحَائِضُ تَشُدُّ إزَارَهَا وَشَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا» قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] أَيْ يَرَيْنَ عَلَامَةَ الطُّهْرِ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ أَيْ بِالْمَاءِ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢] فَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَوْ تَيَمَّمَتْ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ فَيَحِلَّ بَعْدَ التَّيَمُّمِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إذَا عَلِمْت مَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ لَك مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُوهِمِ لِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ أَيْ فَوْقَ السُّرَّةِ، وَحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إمَّا تَعَبُّدِيَّةٌ وَقِيلَ لِمَا يُصِيبُ الْوَاطِئَ أَوْ الْوَلَدَ مِنْ نَحْوِ الْجُذَامِ أَوْ الْبَرَصِ أَوْ الْفَزَعِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.

الثَّانِي: الْحُرْمَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمَةِ بَلْ الْكَافِرَةُ كَذَلِكَ، فَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ الْكَافِرَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا، وَيُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَمِثْلُهَا الْمَجْنُونَةُ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُجْبِرُ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحُهَا: وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْهَا النِّيَّةُ إذْ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْغُسْلِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَأَمَّا الْغُسْلُ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَلَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ. وَلِذَا يُقَالُ لَنَا: غُسْلُ فَرْضٍ يَصِحُّ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَيُقَالُ هُوَ غُسْلُ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْضِهَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَقَطْ، وَلِذَا لَوْ أَسْلَمَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِيَرْتَفِعَ حَدَثُهَا لِتَصِحَّ صَلَاتُهَا. (وَحَرَّمَ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مِنْ النِّسَاءِ) نِكَاحَ كُلِّ (مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا إيَّاهُ) فِي بَابِ النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ النِّسَاءِ سَبْعًا بِالْقَرَابَةِ وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ، وَقَوْلُهُ: وَحَرَّمَ اللَّهُ وَطْءَ الْكَوَافِرِ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ.

(تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مَا تَقَدَّمَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ مَا فِي الْعَاقِلِ أَوْ هُوَ قَلِيلٌ أَوْ هُوَ عَلَى تَنْزِيلِ النَّاقِصِ فِي الْعَقْلِ مَنْزِلَةَ مَا لَا عَقْلَ فِيهِ وَهُوَ سَائِغٌ.

[أَكْلِ الطَّيِّبِ]

(وَأَمَرَ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ (بِأَكْلِ الطَّيِّبِ) وَشُرْبِهِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ الْحَلَالُ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] وَ {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] وَالْحَلَالُ فِيهِ خِلَافٌ، وَالرَّاجِحُ مِنْهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا جُهِلَ أَصْلُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا يَنْبَغِي الْيَوْمَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَصْلِ شَيْءٍ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانَ أَنَّ الْأَمْرَ بِأَكْلِ الطَّيِّبِ عَلَى الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: (فَلَا يَحِلُّ لَك) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ (أَنْ تَأْكُلَ) أَوْ تَشْرَبَ (إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا. (وَلَا تَلْبَسَ إلَّا) مَلْبُوسًا (طَيِّبًا وَلَا تَرْكَبَ إلَّا) مَرْكُوبًا (طَيِّبًا وَلَا تَسْكُنَ إلَّا) مَسْكَنًا (طَيِّبًا وَ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْك أَنْ (تَسْتَعْمِلَ سَائِرَ) أَيْ جَمِيعَ (مَا تَنْتَفِعُ بِهِ طَيِّبًا) وَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِتَقْدِيمِ أَكْلِ الطَّيِّبِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي آيَةِ: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] وَآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُهُ إلَّا بَعْدَ إصْلَاحِ الرِّزْقِ بِاكْتِسَابِهِ مِنْ بَابِ حِلٍّ لِمَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالسُّحْتُ الْحَرَامُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ فِي بَطْنِهِ حَرَامٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا: مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً مِنْ حَرَامٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ عَمَلُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَثٌّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْقُوتِ، وَتَحْصِيلِهِ مِنْ جِهَةٍ تَسْكُنُ إلَيْهَا نَفْسُهُ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِلْغَيْرِ حَقًّا فِيهِ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: الَّذِي إذَا أَصْبَحَ سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصَاهُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: الَّذِي إذَا أَمْسَى سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصَاهُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَلِمَهُ النَّاسُ لَتَكَلَّفُوهُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمُوا وَلَكِنَّهُمْ قَدْ غَشَمُوا الْمَعِيشَةَ غَشْمًا» .

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَعَسَّفُوا تَعَسُّفًا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ تَسْتَعْمِلُ وَتَنْتَفِعُ بَعْضُ تَكْرَارٍ لِسَبَبٍ ارْتَكَبَهُ الشَّيْخُ إيضَاحًا لِلطَّلَبِ. وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ حَلِّ مَجْهُولِ الْأَصْلِ دُخُولُ الْمُتَشَابِهِ قَالَ كَالْمُسْتَدْرِكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: (وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ) الْحَلَالِ أَشْيَاءُ (مُشْتَبِهَاتٌ) بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَهِيَ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حِلِّهَا وَحُرْمَتِهَا، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ. (مِنْ تَرَكَهَا سَلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>