الثَّوْبِ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ: إلَّا مِنْ كَثِيرِهِ
وَقَلِيلُ كُلِّ نَجَاسَةٍ غَيْرِهِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ.
ــ
[الفواكه الدواني]
مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ كَانَ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الرُّعَافِ أَوْ يَعْتَقِدُ إدْرَاكَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ يَطْلُبُ بِالرُّجُوعِ، وَلَوْ ظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ ظَنُّهُ.
١ -
الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الرُّعَافِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَطْمَعَ فِي انْقِطَاعِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ مَا يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَةً بِنَاءً عَلَى مَا يُدْرَكُ بِهِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَفِي هَذَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَظُنَّ دَوَامَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَفِي هَذَا يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، كَمَا يُصَلِّي مَعَ نُزُولِ الدَّمِ آخِرَ الْوَقْتِ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ، بِأَنْ تَخَلَّفَ ظَنُّهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَهُوَ نَازِلٌ، وَيُصَلِّي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَأَمَّا لَوْ تَضَرَّرَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِضَرَرٍ بِجِسْمِهِ أَوْ لِلْخَوْفِ عَلَى تَلَطُّخِ ثِيَابِهِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْغُسْلُ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يُفْهَمَانِ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَهَا وَدَامَ آخَرُ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَصَلَّى؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ آخِرَ أَنَّهُ يُرْجَى انْقِطَاعُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرْجُ الِانْقِطَاعَ يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْقَاطِرِ وَالرَّاشِحِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْمَسْبُوقِ الَّذِي يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَحْصُلُ لَهُ الرُّعَافُ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُوجِبُ فَوَاتَ رَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ فِي صَلَاتِهِ الْقَضَاءُ وَالْبِنَاءُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ قَضَاءٌ وَبِنَاءٌ لِرَاعِفٍ أَدْرَكَ الْوُسْطَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، أَوْ الْحَاضِرُ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ صَلَاةِ مُسَافِرٍ أَوْ خَوْفٍ بِحَضَرٍ قَدَّمَ الْبِنَاءَ وَجَلَسَ فِي آخِرِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ،
وَلَمَّا كَانَ الرُّعَافُ مَظِنَّةً لِإِصَابَةِ الدَّمِ نَاسَبَ التَّعَرُّضُ لِحُكْمِ غَسْلِهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُغْسَلُ) نَدْبًا (قَلِيلُ الدَّمِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ رُعَافٍ، كَدَمِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَمِثْلُهُ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ (مِنْ الثَّوْبِ) أَوْ الْجَسَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَلِيلِ أَقَلُّ مِنْ دِرْهَمٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَفَا عَنْ دُونِ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَالْمُرَادُ بِالدِّرْهَمِ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ وَهُوَ قَدْرُ الدَّائِرَةِ الَّتِي تَكُونُ بِبَاطِنِ ذِرَاعِ الْبَغْلِ، وَمَفْهُومُ مِنْ الثَّوْبِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمُصَلِّي أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ طَعَامًا لِنَجَسِهِ وَلَوْ قَلَّ، فَالْعَفْوُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَيَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ وَلَوْ قَلَّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا نَدْبًا لِقَوْلِهِ: (وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ) مَعَ مُلَابَسَةِ الدَّمِ (إلَّا مِنْ كَثِيرِهِ) وَهُوَ مَا كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ مَسَّاحَةً لَا وَزْنًا، وَالْأَثَرُ وَالْعَيْنُ سَوَاءٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ وَوُجُوبِ الْغُسْلِ فِي الْكَثِيرِ، فَإِنْ صَلَّى بِالْكَثِيرِ أَعَادَ مَعَ الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَنَدْبًا فِي الْوَقْتِ مَعَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ الْعَمْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَفِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ مُطْلَقًا، أَوْ عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ كَالْقِرْبَةِ الْمَمْلُوءَةِ مَاءً وَهِيَ لَا تَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ رَشْحٍ، وَقَدْ قَالَ خَلِيلٌ: وَعُفِيَ عَمَّا يُعْسِرُ،
وَأَمَّا نَحْوُ الْبَوْلِ أَوْ الْمَنِيِّ فَيَجِبُ غَسْلُ قَلِيلِهِ كَكَثِيرِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَقَلِيلُ كُلِّ نَجَاسَةٍ غَيْرِهِ) أَيْ الدَّمِ (وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَلَوْ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ.
(وَ) مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (دَمُ الْبَرَاغِيثِ) أَيْ خَرْؤُهَا وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ وَالْبَقُّ وَالْبَعُوضُ.
(لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ) لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا (إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ) بِحَيْثُ يَسْتَحْيِ أَنْ يَجْلِسَ بِهِ بَيْنَ أَقْرَانِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهُ، إلَّا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْدُبُ غَسْلُهُ إذْ لَا يُقْطَعُ الْفَرْضُ لِمَنْدُوبٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنَدَبَ غَسْلُ مَا يُعْفَى عَنْهُ عِنْدَ تَفَاحُشِهِ كَدَمِ بَرَاغِيثَ إلَّا فِي صَلَاةٍ، وَفَسَّرْنَا دَمَ الْبَرَاغِيثِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا بِخَرْئِهَا؛ لِأَنَّ دَمَهَا الْحَقِيقِيَّ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا، وَيَجِبُ غَسْلُ الْكَثِيرِ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ.
(خَاتِمَةٌ) ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ ضَابِطًا كُلِّيًّا لِمَا يُعْفَى عَنْهُ مِمَّا هُوَ مُحَقَّقُ النَّجَاسَةِ أَوْ مَظْنُونُهَا بِقَوْلِهِ: وَعُفِيَ عَمَّا يُعْسِرُ كَحَدَثٍ مُسْتَنْكَحٍ وَبَلَلِ بَاسُورٍ فِي يَدٍ أَوْ ثَوْبٍ إنْ كَثُرَ الدَّمُ، وَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ، وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا، وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَبَوْلِ فَرَسٍ لِفَارٍّ بِأَرْضِ حَرْبٍ وَأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ عُذْرَةٍ وَمَوْضِعِ حِجَامَةِ سَطْحٍ وَكَطِينِ مَطَرٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُذْرَةُ بِالْمُصِيبِ وَلَمْ تَغْلِبْ وَذَيْلِ امْرَأَةٍ مُطَالٍ لِلسِّتْرِ وَرِجْلٍ بُلَّتْ يَمُرَّانِ بِنَجِسٍ يَبِسٍ يَطْهُرَانِ بِمَا بَعْدَهُ وَخُفٍّ وَنَعْلٍ مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ وَأَبْوَالِهَا إنْ دُلِّكَا بِغَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ وَالْقَدَمَ وَالْمَخْرَجَانِ وَمَوْضِعَ الْحِجَامَةِ وَالسَّيْفَ الصَّقِيلَ يُجْزِي فِيهَا زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ.
[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]
وَلَمَّا كَانَتْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ: قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ.
ذَكَرَهَا فِي عَقِبِ الْبَابِ الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ فَقَالَ