للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُجُودُ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَ سَجْدَةً، وَهِيَ الْعَزَائِمُ لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ فِي النَّصِّ عِنْدَ قَوْلِهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

(بَابٌ فِي) بَيَانِ مَوَاضِعِ (سُجُودِ الْقُرْآنِ) وَيُتَرْجَمُ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ أَخَصُّ مِنْ الْقِرَاءَةِ، لِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَكُونُ فِي كَلِمَةِ وَاحِدَةٍ، وَالْقِرَاءَةَ تَكُونُ فِيهَا، وَالسُّجُودُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ التِّلَاوَةِ لَا عِنْدَ مُجَرَّدِ قِرَاءَةِ كَلِمَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ السُّجُودِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، فَقِيلَ: سُنَّةٌ، وَقِيلَ: فَضِيلَةٌ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ، وَأَمَّا السُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَّرَهُ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ السُّجُودِ إيجَادُ مَاهِيَّةِ السُّجُودِ، وَهِيَ تُوجَدُ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] فِي مَعْرَضِ الذَّمِّ فَيَدُلُّ عَلَى طَلَبِهِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَسَجَدَهَا سَجَدْنَا مَعَهُ» وَثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَجَدَ الْإِنْسَانُ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي فَيَقُولُ: يَا وَيْلَتَاهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْت أَنَا بِالسُّجُودِ فَأَبَيْت فَلِي النَّارُ» وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَوْ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ اسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَدَمَ كُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا عُلِمَ حُكْمُهُ بِالضَّرُورَةِ، إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مَعْلُومًا لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ الْقَارِئُ وَالْمُسْتَمِعُ وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُتَعَلِّمُ، أَمَّا الْقَارِئُ فَيَسْجُدُ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَةِ حَدَثٍ وَخُبْثٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ نِزَاعٌ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْأُجْهُورِيُّ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ.

وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مُحَمَّدٍ: اسْتِحْبَابُ سُجُودِ الصَّبِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِخِطَابِهِ بِمَا دُونَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي سُجُودِ الْقَارِئِ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْإِمَامَةِ فَيَسْجُدُ الْفَاسِقُ وَالْمَرْأَةُ، وَأَمَّا الْمُسْتَمِعُ فَيَسْجُدُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ جَلَسَ لِيَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَوْ أَحْكَامَهُ فَلَا يَسْجُدُ الْجَالِسُ لِابْتِغَاءِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، كَمَا أَنَّ السَّامِعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَسْجُدُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ الَّذِي جَلَسَ الْمُسْتَمِعُ لِيَسْمَعَ قُرْآنًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ بِالْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ مِنْ الْعَاجِزِ يَسْجُدُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَمِعُ قَادِرًا لِصَلَاحِيَّةِ الْعَاجِزِ عَنْ رُكْنٍ لِلْإِمَامَةِ لِمِثْلِهِ، وَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمَكْرُوهَ الْإِمَامَةُ يَسْجُدُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْقَارِئُ جَلَسَ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَيَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ وَلَوْ تَرَكَ الْقَارِئُ السُّجُودَ، وَأَمَّا الْمُعَلِّمُ أَوْ الْمُتَعَلِّمُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ كَالْقَارِئِ، وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُتَعَلِّمُ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمَا مَحَلُّ السُّجُودِ فَيَسْجُدَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ،

١ -

وَلَمَّا وَقَعَ خِلَافٌ فِي عَدَدِ السَّجَدَاتِ، بَيَّنَ الْمَشْهُورِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَسَجَدَاتُ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ) وَالْمُرَادُ بِالْمُفَصَّلِ مَا كَثُرَ تَفْصِيلُهُ بِالْبَسْمَلَةِ لِقِصَرِ سُوَرِهِ، وَأَوَّلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، فَلَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ النَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْقَلَمِ.

قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا ثَانِيَةَ الْحَجِّ وَالنَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْقَلَمِ.

(وَهِيَ) أَيْ الْإِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً (الْعَزَائِمُ) أَيْ الْأَوَامِرُ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِالسُّجُودِ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا، هَكَذَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَقَالَ زَرُّوقٌ: الْعَزَائِمُ جَمْعُ عَزِيمَةٍ وَهِيَ الْمُتَأَكِّدَةُ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ فِي سُجُودِ غَيْرِهَا مِنْ ثَانِيَةِ الْحَجِّ وَالنَّجْمِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَسْجُدُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ، فَعَلَى تَفْسِيرِ الْأَقْفَهْسِيِّ: إنْ سَجَدَ عِنْدَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يَسْجُدُ لَهَا، وَعَلَى تَفْسِيرِ زَرُّوقٍ لَا تَبْطُلُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ بُطْلَانُ سُجُودِ السَّاجِدِ عَمْدًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يَرَى السُّجُودَ عِنْدَهَا، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى الْعَزَائِمِ الْأُمُورُ الْمَطْلُوبَةُ لَا عَلَى وَجْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>