للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَجُوزُ بِالْعُرُوضِ، وَيَكُونُ إنْ نَزَلَ أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا، وَعَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ.

وَلِلْعَامِلِ كِسْوَتُهُ وَطَعَامُهُ إذَا سَافَرَ فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

وَكِسْوَتُهُمْ بِشَرْطَيْنِ: التَّسَاوِي فِي الْمَالِ، وَإِلَّا أَنْفَقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ يَتَقَارَبَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا فِي بَلَدٍ أَوْ بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيِّنًا كَانَ وَطَنًا لَهُمَا أَوْ لَا، كَمَا تُلْغَى نَفَقَةُ وَكِسْوَةُ عِيَالِهِمَا إنْ تَقَارَبَا نَفَقَةً وَعِيَالًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ تَقَارُبٌ فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْعِيَالِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَقْنَعُ بِالْجَرِيشِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْغَلِيظِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْآخَرُ عَلَى الضِّدِّ، أَوْ تَخَالَفَا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ حَسَبًا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الْعِيَالِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ خَلِيلٍ

١ -

الْخَامِسُ: الشَّرِيكُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الْخُسْرِ أَوْ أَخْذِ شَيْءٍ يُنَاسِبُهُ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْمُنَاصَفَةِ عِنْدَ مُنَازَعَةِ شَرِيكِهِ. (فَائِدَةٌ) . الشَّرِكَةُ فِيهَا لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: إحْدَاهَا، وَهِيَ الْفُصْحَى عَلَى وَزْنِ سِدْرَةٍ، وَيَلِيهَا عَلَى وَزْنِ نَمِرَةٍ، وَالثَّالِثَةُ عَلَى وَزْنِ نَبْقَةٍ، فَتَكُونُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ مَعَ إجْحَافِ الْمُؤَلِّفِ فِي الِاخْتِصَارِ.

[بَاب الْقِرَاض]

وَلَمَّا كَانَ الْقِرَاضُ مُنَاسِبًا لِلشَّرِكَةِ فِي كَوْنِ الْعَاقِدِ أَمِينًا فِيهِمَا وَأَيْضًا هُمَا شَرِيكَانِ فِي الرِّبْحِ ذَكَرَهُ عَقِبَهَا فَقَالَ: (وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ الْقَطْعُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَهَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَقُولُونَ قِرَاضًا، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ الْمُضَارَبَةُ، وَكِتَابُ الْمُضَارَبَةِ بَدَلَ كِتَابِ الْقِرَاضِ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: ١٠١] ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: ٢٠] وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالَهُ عَلَى الْخُرُوجِ بِهِ إلَى الشَّامِ أَوْ غَيْرِهَا فَيَبْتَاعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْقِرَاضِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى التَّنْمِيَةِ بِنَفْسِهِ فَاضْطُرَّ فِيهِ لِاسْتِنَابَةِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِأُجْرَةٍ فَرَخَّصَ فِيهِ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، فَيَدْخُلُ بَعْضُ الْفَاسِدِ كَالْقِرَاضِ بِالدَّيْنِ وَبِالْوَدِيعَةِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ قَوْلُهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَعْمَلُ لَهُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعَبَّرَ بِتَمْكِينٍ دُونَ عَقْدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ لَازِمٍ، فَلِكُلٍّ حَلُّهُ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ شُغْلِ الْمَالِ وَبَعْدَهُ لَازِمٌ لِكُلٍّ، وَبَعْدَ تَزَوُّدِ الْعَامِلِ لِلسَّفَرِ لَازِمٌ لِلْعَامِلِ دُونَ رَبِّ الْمَالِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ عَمَلِهِ كَرَبِّهِ. وَالْحَالُ أَنَّ الْعَامِلَ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ وَلَمْ يَظْعَنْ، وَإِلَّا فَلِنَضُوضِهِ، وَجَوَازُ الْقِرَاضِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ الْمُدَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ، وَمِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ، وَوَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْحُرْمَةِ الرِّفْقُ بِالْعِبَادِ كَمَا مَرَّ.

١ -

وَأَرْكَانُهُ الْعَاقِدَانِ، وَهُمَا كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ وَالْمَالُ وَالصِّيغَةُ وَالْجُزْءُ الْمَجْعُولُ لِلْعَامِلِ.

وَأَشَارَ إلَى شَرْطِ الْمَالِ بِقَوْلِهِ: (بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ) وَلَوْ كَانَتْ مَغْشُوشَةً حَيْثُ تُعُومِلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَرُجْ كَالْكَامِلَةِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ النَّقْدِ الْخَالِصِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَامَلِ بِهِ فَهُوَ كَالْعَرَضِ (وَقَدْ أَرْخَصَ) أَيْ تُسُوهِلَ (فِيهِ) أَيْ الْقِرَاضِ (بِنِقَارِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَالنِّقَارُ بِكَسْرِ النُّونِ الْقِطَعُ الْخَالِصَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِثْلُهَا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ، فَإِنَّ حُكْمَ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ فِي الْجَوَازِ إنْ تُعُومِلَ بِهَا فِي بَلَدِ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَسْكُوكٌ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَعَامَلْ بِهَا أَوْ وُجِدَ الْمَسْكُوكُ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَالْمُرَادُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِالْعَمَلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعِنْدَ أَصْبَغَ مُطْلَقًا.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِهِ وَلَوْ حَصَلَ الْعَمَلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ مِنْ تِبْرٍ وَنِقَارٍ وَحُلِيٍّ، لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالٍ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: التَّعَامُلُ بِهِ فِي بَلَدِ الْعَمَلِ، وَعَدَمُ وُجُودِ الْمَسْكُوكِ، وَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ مَالٍ مَعَ فَقْدِ الشَّرْطَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَضَى بِالْعَمَلِ وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ تَمَامِ الْعَقْدِ.

(تَنْبِيهٌ) . فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَرْخَصَ فِيهِ بِنِقَارِ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْفُلُوسِ الْجُدُدِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ النُّقُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا حَيْثُ تُعُومِلَ بِالْمَسْكُوكِ، وَأَمَّا لَوْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ بِهَا لَجَازَ جَعْلُهَا رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ.

[الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ]

ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَمَا مَعَهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) الْقِرَاضُ (بِالْعُرُوضِ) وَالْمُرَادُ بِهَا مَا قَابَلَ الْعَيْنَ، فَتَدْخُلُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ حَيْثُ لَمْ تَنْفَرِدْ بِالتَّعَامُلِ بِهَا، وَيَدْخُلُ الْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالْوَدَعُ وَلَوْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بِسَائِرِ الْمُقَوَّمَاتِ وَالْمِثْلِيَّاتِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَالْوَارِدُ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ، وَلَا يُقَالُ: الشَّارِعُ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْجُدُدِ وَلَا بِنِقَارِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلِمَاذَا رَخَّصَ فِيهَا؟ . لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَذْكُورَاتُ أَعْيَانٌ وَأَثْمَانٌ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ، وَالْجُدُدُ عِنْدَ انْفِرَادِ التَّعَامُلِ بِهَا قَدْ قِيلَ إنَّهَا مِنْ النُّقُودِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْحُكْمَ لَوْ وَقَعَ بِالْعَرَضِ فَقَالَ: (وَيَكُونُ) أَيْ عَامِلُ الْقِرَاضِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ (إنْ نَزَلَ) الْعَقْد بِالْعُرُوضِ (أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا) أَيْ الْعُرُوضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>