للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا مَاتَ فِي بِئْرٍ أَوْ مَعْدِنٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَهُوَ هَدَرٌ.

وَتُنَجَّمُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَثُلُثُهَا فِي سَنَةٍ وَنِصْفُهَا

ــ

[الفواكه الدواني]

الدَّافِعِ مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَمَرَ حُرًّا كَبِيرًا بِمَسْكِهَا فَقَتَلَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ بَعْدَ انْفِلَاتِهَا مِنْ مَرْبِطِهَا الْحَافِظِ مِنْ الْهُرُوبِ شَخْصًا غَيْرَ مَأْمُورٍ بِمَسْكِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، بِخِلَافِ لَوْ أَفْلَتَتْ مِنْ يَدِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ضَمَانَ فِعْلِ الْخَطَإِ.

وَمِنْ الْمَسَائِلِ: لَوْ حَمَلَ صَبِيًّا عَلَى دَابَّتِهِ يَمْسِكُهَا لَهُ أَوْ يَسْقِيهَا فَوَطِئَتْ رَجُلًا فَقَتَلَتْهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ الْمُرَاهِقُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَحْمُولُ حُرًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا صَغِيرًا وَحَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَوَطِئَتْ رَجُلًا فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِدِيَةِ الْحُرِّ أَوْ يُسَلِّمَهُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلَا يَرْجِعُ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَامِلِ لَهُ بِشَيْءٍ.

وَمِنْهَا لَوْ نَخَسَ أَجْنَبِيٌّ دَابَّةً لَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ وَنَشَأَ عَنْ نَخْسِهَا شَيْءٌ فَعَلَى النَّاخِسِ دُونَ مَنْ مَعَهَا مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ أَوْ رَاكِبٍ حَتَّى لَوْ قَتَلَتْ شَخْصًا بِنَخْسِهَا لَوَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ ذَلِكَ النَّاخِسِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْهَارِبَ الْخَائِفَ إذَا وَطِئَ أَوْ صَدَمَ شَيْئًا فَذَلِكَ عَلَى الَّذِي فَعَلَ بِهِ.

وَلَمَّا كَانَ ضَمَانُ مَا وَطِئَتْهُ الدَّابَّةُ وَأَتْلَفَتْهُ مِنْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ لِتَسَبُّبِهِ، ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبِهِمْ بِقَوْلِهِ: (وَمَا كَانَ مِنْهَا) أَيْ وَالْإِتْلَافُ الْحَاصِلُ مِنْ الدَّابَّةِ (مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ) أَيْ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ بِأَنْ أَتْلَفَتْهُ بِذَنَبِهَا أَوْ كَدَمَتْهُ بِفَمِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا مِنْ مَنْعِهَا.

(أَوْ) أَتْلَفَتْهُ (وَهِيَ وَاقِفَةٌ) فِي مَحَلِّهَا الْمُعَدِّ لَهَا أَوْ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا كَبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ السُّوقِ وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِالْعَدَاءِ وَحَصَلَ الْإِتْلَافُ مِنْهَا.

(لِغَيْرِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا فَذَلِكَ هَدَرٌ) أَيْ سَاقِطٌ عَنْ صَاحِبِهَا وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ وَقَدْ تَسْكُنُ الدَّالُ، وَأَمَّا لَوْ أَتْلَفَتْ مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا فَضَمَانُهُ عَلَى الْفَاعِلِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَهَا شَخْصٌ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِقَرْنِهَا آخَرَ فَقَتَلَتْهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ غَيْرِ الزُّرُوعِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا مِنْ الزُّرُوعِ وَالْحَوَائِطِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ.

(وَمَا مَاتَ فِي بِئْرٍ) أَيْ وَاَلَّذِي مَاتَ بِسَبَبِ انْهِدَامِ بِئْرٍ عَلَيْهِ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حَفْرِهَا أَوْ بِنَائِهَا أَوْ غَوْصِهَا.

(أَوْ) مَاتَ فِي (مَعْدِنٍ) اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ فِيهِ وَالْحَالُ أَنَّ مَوْتَ مَنْ ذُكِرَ (مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَهُوَ هَدَرٌ) خَبَرُ مَا الْوَاقِعَةِ مُبْتَدَأً أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَمَوْضُوعُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَفْرَ فِي مَحَلٍّ يُجَوَّزُ الْحَفْرُ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» .

وَالْعَجْمَاءُ بِالْمَدِّ كُلُّ حَيَوَانٍ غَيْرُ الْآدَمِيِّ، وَسُمِّيَتْ الْبَهِيمَةُ بِالْعَجْمَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَالْجُبَارُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ عَمَّا لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فَمَاتَا فَإِنَّ نِصْفَ دِيَةِ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَثُلُثُ دِيَةِ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ، وَهَكَذَا لَوْ كُثْرُ وَالتَّسَبُّبُ كُلٌّ فِي قَتْلِهِ وَقَتْلِ صَاحِبِهِ فَمَاتَا بِهِ سَاقِطٌ كَقَتْلِ نَفْسِهِ وَتُؤْخَذُ عَاقِلَتُهُ بِمَا تَسَبَّبَ فِي غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحَفْرُ فِيهِ فَمَا تَلَفَ فِيهِ يَضْمَنُهُ الْمَالُ فِي مَالِهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِنَقْصِهِ عَنْ الثُّلُثِ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي ذَكَرَ هُنَا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ تُنَجَّمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَوْلِهِ: (وَتُنَجَّمُ) أَيْ تُقَسَّطُ (الدِّيَةُ) الْكَامِلَةُ (عَلَى الْعَاقِلَةُ) فِي قَتْلِ الْخَطَإِ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَنُجِّمَتْ دِيَةُ الْحُرِّ بِلَا اعْتِرَافٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْجَانِي الْكَامِلَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ تَحِلُّ بِأَوَاخِرِهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ خَطَأً إذَا ثَبَتَتْ بِغَيْرِ اعْتِرَافِ الْقَاتِلِ تُفَرَّقُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ثَلَاثَةَ أَقْسَاطٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْحُرُّ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَالْقَاتِلُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَهُمْ عَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ أَوْ أَهْلَ دِيوَانِهِ أَوْ بَيْتُ الْمَالِ، لَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ الْجَمِيعِ الْمَبْدَأُ أَهْلُ الدِّيوَانِ الْقَائِمِ الْعَطَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَصَبَتُهُ نَسَبًا، وَإِلَّا فَالْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ ثُمَّ الْأَعْلَوْنَ ثُمَّ الْأَسْفَلُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوَالٍ فَبَيْتُ الْمَالِ إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ مَا يُضْرَبُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مَعَ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْجَانِي، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهَا تُقَسَّطُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالرِّفْقِ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَحَرَّرَهُ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ وَلَا عَصَبَةَ لَهُ فَيَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ دِيَتِهِ مِنْ كُورَتِهِ، فَلَا يَعْقِلُ نَصْرَانِيٌّ عَنْ يَهُودِيٍّ وَلَا عَكْسُهُ وَالصُّلْحِيُّ أَهْلُ صُلْحِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ يَنْتَسِبُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ الزَّائِدُ عَلَى الْأَلْفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ نَقَصُوا عَنْ السَّبْعِمِائَةِ كَمَّلُوا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَعَلَى الثَّانِي كَذَلِكَ، وَيُضْرَبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا لَا يُضَرُّ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُتَّسِعِ فِي الْغِنَى بِقَدْرِهِ وَمِمَّنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَقِيرُ وَالْغَارِمُ يُعْقَلُ عَنْهُمْ وَلَا يَعْقِلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَالْمُعْتَبَرُ حَالُهُمْ وَقْتَ تَوْزِيعِ الدِّيَةِ، فَمَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَحَلِّ الْقَاتِلِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ أَوْ فَقِيرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُضْرَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ أَيْسَرَ الْفَقِيرُ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَضْرُوبِ بِزَوَالِ الْغِنَى أَوْ بِالْمَوْتِ، وَتَكُونُ الْأَقْسَاطُ مُتَسَاوِيَةً، وَيُعْطَى كُلُّ ثُلُثٍ فِي آخِرِ السَّنَةِ كَمَا قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

<<  <  ج: ص:  >  >>