للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ ضَامِنُونَ لِمَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ.

وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ أَوْ وَهِيَ وَاقِفَةٌ لِغَيْرِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا فَذَلِكَ هَدَرٌ

ــ

[الفواكه الدواني]

فَيُنْسَبُ ذَلِكَ لِلْعَقْلِ لِقِيمَتِهِ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَفِي جَائِفَتِهِ أَوْ آمَّتِهِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ وَهَاشِمَتِهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مُسَمًّى فَيَلْزَمُ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَنَّهُ يُقْتَصُّ لِلْحُرِّ مِنْ الْحُرِّ وَمِنْ الرَّقِيقِ لِلرَّقِيقِ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضِ كَذَوِي الرُّوقِ: وَيُقْتَصُّ لِذَكَرِ كُلٍّ مِنْ أُنْثَاهُ كَمَا يُقْتَصُّ لِلضَّعِيفِ مِنْ الصَّحِيحِ وَعَكْسُهُ.

قَالَ: وَذَكَرٌ وَصَحِيحٌ وَضِدُّهُمَا أَيْ يُقْتَصُّ لِكُلٍّ مِنْ الْآخَرِ.

(وَلَا) قِصَاصَ أَيْضًا فِي جُرْحٍ وَقَعَ (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ الْجَارِحَ الْمُسْلِمَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ عُضْوِ الْكَافِرِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي شَيْءٍ لَا عَقْلَ لَهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ الْكَافِرَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ أَوْ الْحُكُومَةُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْجُرْحُ كَالنَّفْسِ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إلَّا نَاقِصًا جَرَحَ كَامِلًا فَلَا قِصَاصَ، وَعَلَى كَافِرٍ جَرَحَ مُسْلِمًا، وَلَا عَلَى عَبْدٍ جَرَحَ حُرًّا مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا بِقَتْلِ النَّفْسِ، هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَتَلْزَمُ الدِّيَةُ.

(تَنْبِيهٌ)

فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ يُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، قَالَ خَلِيلٌ: وَالْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كِتَابِيٌّ وَمَجُوسِيٌّ وَمُؤْمِنٌ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ، فَيُقْتَصُّ لِلْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَعَابِدِ النَّارِ، وَالْمُؤَمَّنِ الْكَافِرِ الدَّاخِلِ بَلَدَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ.

وَلَمَّا كَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ ذَاتُ الْقَائِدِ أَوْ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ مُتَعَلِّقًا بِهِ نَاسَبَ ذِكْرَهَا عَقِبَ جِنَايَةِ الشَّخْصِ بِقَوْلِهِ: (وَالسَّائِقُ) لِلدَّابَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ وَهُوَ الْحَاثُّ لَهَا عَلَى السَّيْرِ.

(وَالْقَائِدُ) وَهُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ أَمَامَهَا وَتَسِيرُ بِسَيْرِهِ.

(وَالرَّاكِبُ) الْمُسْتَوْلِي عَلَى ظَهْرِهَا.

(ضَامِنُونَ لِمَا وَطِئَتْ) أَيْ أَصَابَتْهُ وَأَتْلَفَتْهُ بِرِجْلِهَا (الدَّابَّةَ) وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُخَاطَبٌ بِهِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاكِبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الْكَائِنِ عَلَى ظَهْرِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ إتْلَافُهَا بِسَبَبِ الرَّاكِبِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الضَّمَانُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُمَا مُشَارَكَةٌ فِي التَّسَبُّبِ، وَمِثْلُ مَا وَطِئَتْهُ مَا لَوْ طَارَتْ حَصَاةٌ مِنْ تَحْتِ حَافِرِهَا فَكَسَرَتْ آنِيَةً مَثَلًا فَضَمَانُهَا مِنْ قَائِدِهَا أَوْ سَائِقِهَا أَوْ رَاكِبِهَا عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ، خِلَافًا لِابْنِ زَرْبٍ فِي ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ وَطِئَتْ الدَّابَّةُ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ وَلَدُ الدَّابَّةِ الْمَسُوقَةِ أَوْ الْمَرْكُوبَةِ أَوْ الْمُقَادَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا لَوْ رَكِبَهَا شَخْصَانِ وَوَطِئَتْ شَيْئًا فَأَتْلَفَتْهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا عَلَى ظَهْرِهَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُقَدَّمِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَخَّرُ حَرَّكَهَا فَيَضْمَنَانِ مَعًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُؤَخَّرِ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَهَا الْمُؤَخَّرُ فَتَرْمَحَ بِضَرْبِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الْمُقَدَّمُ عَلَى مَنْعِهَا وَتَقْتُلَ رَجُلًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُؤَخَّرِ خَاصَّةً، وَأَمَّا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاكِبَيْنِ فِي جَنْبِهَا لَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ، وَأَمَّا لَوْ رَكِبَهَا ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ عَلَى ظَهْرِهَا وَاثْنَانِ فِي جَنْبَيْهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الثَّلَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ مِنْ وَاحِدٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَحَرَّرَهُ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا وَطِئَتْهُ بِرِجْلِهَا، وَأَمَّا مَا كَدَمَتْهُ بِفَمِهَا أَوْ أَتْلَفَتْهُ بِذَنَبِهَا أَوْ نَفْخِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ إلَّا أَنْ يَتَسَبَّبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ تَسَبُّبِهِ لَوْ رَآهَا أَصَابَتْ شَيْئًا بِفَمِهَا وَتَمَكَّنَ مِنْ تَخْلِيصِهِ قَبْلَ إتْلَافِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهَا لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ وَاجِبٌ، وَكَذَا يَضْمَنُ صَاحِبُهَا جَمِيعَ مَا أَتْلَفَتْهُ بِفِيهَا إذَا كَانَ شَأْنُهَا الْإِتْلَافَ بِهِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهِ الْآنَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ شَيْءٍ عَلَى فِيهَا حَيْثُ اُشْتُهِرَتْ بِذَلِكَ لَا إنْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهِ أَوْ لَمْ تَشْتَهِرْ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا وَهِيَ فِي مَحَلِّ الرَّعْيِ أَيْ فِي مَحَلِّ وُقُوفِهَا الْمُعْتَادِ لَهَا أَوْ فِي السُّوقِ أَوْ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، بِخِلَافِ إيقَافِهَا بِمَحَلٍّ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ بِرِجْلِهَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ ظَهَرَ تَلَفُ شَيْءٍ مِنْ الدَّابَّةِ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ أَوْ لَا؟ وَيَظْهَرُ عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسَبُّبِ.

وَبَقِيَ مَسَائِلُ أُخَرُ مِنْهَا مَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَطِئَ الْبَعِيرُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيمَا وَطِئَ الْآخِرُ وَحْدَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ السَّوْقُ، وَلَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا أَصَابَ الَّذِي يَلِي الْآخِرَ لِأَنَّ السَّوْقَ يَنْفَعُ فِي الْآخِرِ وَمَا قَبْلَهُ.

وَمِنْهَا مَا فِي الْكِتَابِ عَنْ مَالِكٍ فِي حَمَّالٍ حَمَلَ عَدْلَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَهُوَ أَجِيرٌ فَسَارَ بِهِ وَسَطَ السُّوقِ فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ وَسَقَطَ عَدْلٌ عَلَى شَخْصٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ الْجَمَّالُ دُونَ صَاحِبِ الْبَعِيرِ.

وَمِنْهَا مَنْ سَقَطَ مِنْ فَوْقِ دَابَّةٍ عَلَى شَخْصٍ فَقَتَلَهُ فَالسَّاقِطُ ضَامِنٌ وَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ.

وَمِنْهَا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ فَنَادَى رَجُلًا يَحْبِسُهَا لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَحْبِسَهَا لَهُ ضَرَبَتْهُ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا أَوْ صَغِيرًا فَدِيَةُ الْحُرِّ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ.

وَمِنْهَا مَنْ دَفَعَ لِصَبِيٍّ دَابَّتَهُ أَوْ سِلَاحَهُ لِيُمْسِكَهُ فَعَطِبَ بِذَلِكَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّابَّةُ يَسْقِيهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَبِيرًا فَإِنَّ قِيمَتَهُ تَكُونُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>