للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْأَجِيرُ يَمُوتُ، وَالدَّارُ تَنْهَدِمُ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ.

وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ الْقُرْآنَ عَلَى الْحُذَّاقِ.

، وَمُشَارَطَةِ

ــ

[الفواكه الدواني]

مَقْدُورًا عَلَيْهِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ.

(وَ) فِيمَا (يَحْرُمُ) مِنْ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ مَجْهُولًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْكِرَاءَ بِمَعْنَى بَيْعِ الْمَنَافِعِ كَالْبَيْعِ فِي الشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ. ثُمَّ قَالَ: وَكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ.

١ -

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: أَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ بِطَعَامٍ وَبِمَا تُنْبِتُهُ، وَإِنْ غَيْرَ خَشَبٍ، وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْخَشَبِ وَالْحَلْفَاءِ وَالْحَشِيشِ، فَالْكُلِّيَّةُ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ لِصِحَّةِ وُقُوعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَثْمَانًا، وَلَا يَصِحُّ دَفْعُهَا كِرَاءً لِأَرْضِ الزِّرَاعَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ، فَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ يَكُونُ الثَّمَنُ فِيهَا مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ مُمْتَنِعًا كَالْبَيْعِ عِنْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، فَقَوْلُهُ كَالْبَيْعِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَ.

الثَّانِي: إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِرَاءِ يُوهِمُ مُسَاوَاتَهُ لِلْبَيْعِ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْكِرَاءَ فِي نَحْوِ الدَّابَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً أَيْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنْ وَقَعَ عَقْدُ الْكِرَاءِ فِي زَمَنٍ إبَّانَ الْكِرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْمَنْفَعَةِ.

وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِبَّانِ كَوُقُوعِ الْعَقْدِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ لَا بِهِ الْحَجُّ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ نَحْوِ الدِّينَارِ أَوْ الدِّينَارَيْنِ، وَلَا يَجِبُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ لِئَلَّا تَهْرُبَ أَصْحَابُ الْإِبِلِ، فَهَذِهِ الصُّوَرُ تُخَالِفُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ فِيهِ تَعْجِيلُ كُلِّ الْمُثَمَّنِ أَوْ كُلُّ الثَّمَنِ كَمَا فِي السَّلَمِ هُرُوبًا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. ثَانِيهِمَا: أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ مُعَيَّنَةً فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ إنْ حَصَلَ الشُّرُوعُ فِي الرُّكُوبِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَأَخَّرَ يَسِيرًا كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إنْ تَأَخَّرَ الشُّرُوعُ فَوْقَ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ بِالنَّقْدِ لَمْ يَجُزْ؛ لِتَرَدُّدِ الْمَنْقُودِ بَيْنَ الثَّمَنِيَّةِ وَالسَّلَفِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ فَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا إذَا هَلَكَتْ مِنْ رَبِّهَا، وَهَذِهِ أَيْضًا يُخَالِفُ فِيهَا عَقْدُ الْكِرَاءِ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَبْضِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُنَا فِي الْكِرَاءِ تَأْخِيرَ قَبْضِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ لِكِرَائِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ حَاضِرَةً، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي الذَّاتِ الْمُشْتَرَاةِ فِي غَيْبَتِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُفْسَخُ الْكِرَاءُ بِتَلَفِهِ فَقَالَ: (وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا) بِأَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً، وَأَشَارَ إلَيْهَا (إلَى بَلَدٍ) أَيْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ (فَمَاتَتْ) أَوْ تَعَذَّرَ سَيْرُهَا قَبْلَ تَمَامِ الْمَسَافَةِ بِأَرْضِ نَزْوٍ بِهَا أَوْ غُصِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ سَيْرُهَا مَعَهُ (انْفَسَخَ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ) وَيَرْجِعَانِ لِلْمُحَاسَبَةِ، فَعَلَى الْمُكْتَرِي بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْمَسَافَةُ كُلُّهَا فَيُقَالَ: بِكَمْ تُكْرَى فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ؟ فَيُقَالُ: عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ يُقَالُ: مَا قِيمَةُ هَذَا الَّذِي سَارَهُ مِنْهَا؟ فَإِذَا قِيلَ: خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَتَنْسُبُهَا لِلْعَشَرَةِ فَتَجِدُهَا نِصْفَهَا فَيَرْجِعُ صَاحِبُهَا عَلَى الْمُكْتَرِي بِنِصْفِ الْكِرَاءِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ انْفَسَخَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَقَدْ قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ الْهَالِكَةِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ أَوْ نُقِدَ أَوْ اُضْطُرَّ فَيَجُوزُ، كَمَا إذَا كَانَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مُسْتَعْتَبٍ بِأَنْ لَا يَجِدَ فِيهِ مَا يَكْتَرِيهِ، فَإِنْ نَقَدَ وَلَمْ يَحْصُلْ اضْطِرَارٌ فَلَا يَجُوزُ الرِّضَى بِبَدَلِ الْمُعَيَّنَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَفْسَخُ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي مَنَافِعَ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَهِيَ مَنَافِعُ الْمَأْخُوذِ بَدَلًا، وَلَا يُقَالُ: الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ عِنْدَ أَخْذِ الْبَدَلِ مَعَ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: كَثِيرًا مَا يُبَاحُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا لِلضَّرُورَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَسَيَأْتِي مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِعَيْنِهَا أَنَّ الْمَضْمُونَةَ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُعَيَّنْ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ بِأَنْ قَالَ: أَكْتَرِي مِنْك دَابَّةً أَوْ دَابَّتَك وَلَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَمُشَاهَدَةً وَلَكِنْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا، أَوْ قَالَ لَهُ: دَابَّتَك الْفُلَانِيَّةَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ سِوَاهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهَا، وَيَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَنْ يَأْتِيَ لِلْمُكْتَرِي بِبَدَلِهَا كَمَا يَأْتِي.

(وَكَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ (الْأَجِيرُ) الْمُسْتَأْجَرَةُ عَيْنُهُ لِخِدْمَةِ بَيْتٍ أَوْ رِعَايَةِ غَنَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُدَّةً مَعْلُومَةً. (يَمُوتُ) أَوْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِي الْمُدَّةِ وَلَهُ بِحِسَابٍ مَا عَمِلَ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا الْمُسْتَأْجَرَةُ عَيْنُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مَضْمُونَةً فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَلِّي أَمْرِ التَّرِكَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهَا مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ.

(وَ) كَذَلِكَ (الدَّارُ) الْمُعَيَّنَةُ تُكْتَرَى مُدَّةً مَعْلُومَةً (تَنْهَدِمُ) كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا أَوْ يَتَعَذَّرُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِسَبَبِ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ) فَإِنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ يُفْسَخُ وَيَرْجِعَانِ لِلْمُحَاسَبَةِ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ تُسْتَوْفَى مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، بِخِلَافِ الذَّاتِ الَّتِي تُسْتَوْفَى بِهَا الْمَنْفَعَةُ، كَالرَّاكِبِ لِلدَّابَّةِ أَوْ السَّاكِنِ فِي الدَّارِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا بِهِ إلَّا صَبِيٌّ تَعَلَّمَ وَرَضَعَ وَفَرَسُ نَزْوٍ وَرُوِّضَ. وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ بَعْضُ مَسَائِلَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهَا، وَهِيَ مِمَّا تُسْتَوْفَى بِهِ، مِنْهَا الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى حَصْدِ زَرْعٍ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ سِوَاهُ فَاحْتَرَقَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>