بَابٌ فِي السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَالتَّنَاجِي وَالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَالْقَوْلِ فِي السَّفَرِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ
وَالِابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا
وَالسَّلَامُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَقُولَ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمْ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) أَحْكَامِ (السَّلَامِ، وَ) فِي حُكْمِ (الِاسْتِئْذَانِ) وَهُوَ طَلَبُ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ لِبَيْتِ غَيْرِك فِي حُكْمِ (التَّنَاجِي، وَ) فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ صِفَةِ (الْقِرَاءَةِ، وَ) فِي بَيَانِ مَوَاضِعِ (الدُّعَاءِ) وَالنَّصِّ عَلَيْهِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (ذِكْرِ اللَّهِ) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (وَ) فِي بَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ (الْقَوْلِ فِي السَّفَرِ) وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُرَتِّبْ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى حُكْمِ التَّرْجَمَةِ بَلْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِيمَا بَعْدَ السَّلَامِ فَقَالَ: (وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ) عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَكْفِي فِي أَدَائِهِ وُقُوعُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ وَمُقَابِلُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَعَلَى كُلٍّ لَا بُدَّ مِنْ إسْمَاعِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] وَالسُّنَّةُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُدِّمَ حُكْمُ الرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ التَّصْدِيرَ بِحُكْمِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ اهْتِمَامًا بِشَأْنِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ مَقْصِدٌ.
(وَالِابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةٌ) عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَدَلَّ عَلَى طَلَبِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: ٦١] أَيْ فَلْيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» وَوَصَفَ السُّنَّةَ بِقَوْلِهِ: (مُرَغَّبٌ فِيهَا) أَيْ مُشَدَّدٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا لِمَا جَاءَ مِنْ أَنَّ: «مَنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، فَإِذَا قَالَ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَتَبَ لَهُ عِشْرِينَ حَسَنَةً، وَإِذَا قَالَ: وَبَرَكَاتُهُ كُتِبَ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً» وَتِلْكَ السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيتَهُ عَرَفْتَهُ أَوْ لَمْ تَعْرِفْهُ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ قَارِئًا أَوْ آكِلًا أَوْ شَارِبًا أَوْ مُشْتَغِلًا بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ أَصَمَّ عَلَى مَا يَنْبَغِي سِوَى شَابَّةٍ لَيْسَتْ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمِ، وَسِوَى قَاضِي الْحَاجَةِ أَوْ مُلَبٍّ وَمُؤَذِّنٍ وَصَاحِبِ بِدْعَةٍ وَكَافِرٍ وَسَكْرَانَ وَمَجْنُونٍ وَنَائِمٍ، وَمَنْ تَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَلَامَك فَهَؤُلَاءِ لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ، وَكُلُّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ رَدًّا.
قَالَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ فِي السَّلَامِ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُلَبِّي، وَقَالَهُ غَيْرُهُ فِي السَّلَامِ عَلَى الشَّابَّةِ فَلَا تَرُدُّ سَلَامًا وَلَا تَبْتَدِئُ بِسَلَامٍ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ غَيْرَهُمْ كَذَلِكَ، وَيَبْقَى النَّظَرُ لَوْ سَلَّمَ وَاحِدٌ مِمَّنْ لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ هَلْ يَجِبُ رَدُّ سَلَامِهِ أَوْ لَا؟ وَيَظْهَرُ عَدَمُ وُجُوبِ رَدِّ سَلَامِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ هِجْرَانُهُ، لِأَنَّهُ إمَّا بِدْعِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ. وَقَوْلُنَا: وَلَوْ صَبِيًّا «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ عَلَى صِبْيَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ» ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا رَدُّ سَلَامِ الصِّبْيَانِ، وَيَكْفِي رَدُّهُ عَلَى جَمَاعَةٍ بَالِغِينَ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَلَنَا فِيهِ وَقْفَةٌ لِأَنَّ الرَّدَّ فَرْضٌ عَلَى الْبَالِغِينَ، وَرَدُّ الصَّبِيِّ غَيْرُ فَرْضٍ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَكْفِي عَنْ الْفَرْضِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، فَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِرَدِّهِ عَنْ الْبَالِغِينَ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ رَدُّ سَلَامِهِ عَلَى الْبَالِغِ، وَمَا فِي النَّظْمِ الْمَشْهُورِ مِمَّا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْته لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَمَّ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ بَصِيرًا، لِأَنَّ السَّلَامَ أَمَانٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّأْمِينِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ يَكُونُ بِمَا يَفْهَمُ مِنْهُ السَّلَامُ، كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا رَدُّ سَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ حَيْثُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَامٌ، كَذَا ظَهَرَ لِي لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: قَدْ جَرَى الْخِلَافُ مِنْ الشُّيُوخِ فِي أَفْضَلِيَّةِ السَّلَامِ عَلَى رَدِّهِ وَعَكْسِهِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَفْضَلِيَّةَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَفْضَلِيَّةَ الِابْتِدَاءِ مَعَ كَوْنِهِ سُنَّةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عُهِدَ تَفْضِيلُ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْفَرْضِ وَذَلِكَ كَإِبْرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute