للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّوَابِّ وَالْأُجَرَاءِ عَلَى الْعَامِلِ.

وَعَلَيْهِ زَرِيعَةُ الْبَيَاضِ الْيَسِيرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلْغَى ذَلِكَ لِلْعَامِلِ وَهُوَ أَحَلُّهُ.

وَإِنْ كَانَ.

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَذْكُورَاتِ عَلَى الْعَامِلِ بِالْأَصَالَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَتَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ بِالْأَصَالَةِ بِالشُّرُوطِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَامِلِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا: وَالْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْمُسَاقَى بِفَتْحِ الْقَافِ، وَنَصَّ هُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَلَا يَفْسُدُ عَقْدُهَا بِالِاشْتِرَاطِ، فَيَكُونُ نَصَّ عَلَى مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَشْيَاءَ تَكُونُ وَاجِبَةً بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَاشْتِرَاطُهَا فِي صُلْبِهِ يُفْسِدُهُ كَمَا فِي مَسَائِلَ يَصِحُّ نَقْدُ الْعِوَضِ فِيهَا تَطَوُّعًا وَتَفْسُدُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا عَلَى الْعَامِلِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَسْلَكُ وَقَعَ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَعَمِلَ الْعَامِلُ جَمِيعَ مَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ عُرْفًا، ثُمَّ قَالَ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ: وَقَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبًّا كَعَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَإِصْلَاحُ جِرَارٍ وَكَنْسُ عَيْنٍ وَسَدُّ حَظِيرَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ بِقَوْلِهِ: (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ) الْمَدْخُولُ فِيهَا (عَلَى إخْرَاجِ مَا) كَانَ (فِي الْحَائِطِ مِنْ الدَّوَابِّ) وَالرَّقِيقِ وَالْأُجَرَاءِ وَالْآلَةِ، فَإِنْ وَقَعَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي صُلْبِ عَقْدِهَا فَسَدَتْ، كَمَا يَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ زِيَادَةِ عَمَلٍ عَلَيْهِ غَيْرِ عَمَلِ الْحَائِطِ.

قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ: وَلَا نَقْصَ مَنْ فِي الْحَائِطِ وَلَا تَجْدِيدَ وَلَا زِيَادَةَ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَ عَقْدُهَا، وَإِنْ حَصَلَ عَمَلٌ وَجَبَ لَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ بِتِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (تَنْبِيهٌ) . تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ تَقَعَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ التَّمْرِ إلَخْ وَتَرَكَ التَّعَرُّضَ لِغَايَتِهَا، مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تُحَدَّدَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُشْتَرَطُ بَاقِيهَا، وَأَقَلُّهُ الْجِذَاذُ، وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَيُحْمَلُ انْتِهَاؤُهَا عَلَى الْجِذَاذِ، وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ فِي الْعَامِ فَيُحْمَلُ انْتِهَاؤُهَا عَلَى الْجِذَاذِ الْأَوَّلِ إنْ تَمَيَّزَتْ الْبُطُونُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَحُمِلَتْ عَلَى أَوَّلِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ثَانٍ. وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا يُطْرَحُ بُطُونًا وَلَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إلَّا تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِمَّا يَنْضَبِطُ جِذَاذُهُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ خَلَفُهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَا مَاتَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ، وَهِيَ فِي الْحَائِطِ (فَعَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ) ، وَمِثْلُ الْمَوْتِ الْمَرَضُ وَالْإِبَاقُ، فَالْمَوْتُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ أَيْ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، وَوُجُوبُ الْخَلَفِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْلِفَهُ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهٌ) . كَمَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفُ مَا مَاتَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَةُ مَا كَانَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَحْبُلٍ وَدِلَاءٍ، وَمَسَاحِي وَصَوَادِيدِ الْبِئْرِ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالزَّرَانِيقِ إذَا بَلِيَتْ أَوْ سُرِقَتْ فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْحَائِطِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى انْتِفَاعِهِ بِهَا حَتَّى تَهْلِكَ أَعْيَانُهَا، فَلَا يُنَافِي أَنَّ تَجْدِيدَهَا عَلَى الْعَامِلِ فَلَيْسَتْ كَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ، وَبَيْنَ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ مِنْ الْأَحْبُلِ، وَمَا مَعَهَا مِنْ الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ مُدَّةَ حَيَاتِهَا مَجْهُولَةٌ، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ عَمَلُهَا بِذِمَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ لَفَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ لِلْغَرَرِ، وَأَمَّا الْأَحْبُلُ وَنَحْوُهَا فَزَمَنُ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَعْلُومٌ فِي الْعَادَةِ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فِي التَّعْيِينِ.

(وَنَفَقَةُ) الرَّقِيقِ وَعَلَفُ (الدَّوَابِّ، وَ) نَفَقَةُ (الْأُجَرَاءِ) وَكِسْوَتُهُمْ وَاجِبَةٌ (عَلَى الْعَامِلِ) سَوَاءٌ كَانَتْ لِرَبِّ الْحَائِطِ بِأَنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْحَائِطِ أَوْ كَانَتْ لِلْعَامِلِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ وَنَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ، وَأَمَّا مَا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ قِيلَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ نَفَقَةُ مَا ذُكِرَ، وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لِرَبِّ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَجَمِيعَ الْمُؤَنِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ الَّتِي تَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ أَنَّ الْعَامِلَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْأُجَرَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْبَاجِيِّ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَهُ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ الْوُجُوبَ بِغَيْرِ الْوَجِيبَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْبَيَاضِ، وَهُوَ مَا خَلَا مِنْ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ هَلْ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ أَمْ لَا بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (زَرِيعَةُ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَالرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ الْمُخَفَّفَةِ (الْبَيَاضِ الْيَسِيرِ) الَّذِي اشْتَرَطَا إدْخَالَهُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْمَجْعُولُ لِلْعَامِلِ فِيهِ مَوْقِفًا لِجُزْءِ الْحَائِطِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ عَلَى الْعَامِلِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْهَدْ أَنَّهُ دَفَعَ لِأَهْلِ خَيْبَرَ شَيْئًا حِينَ عَامَلَهُمْ عَلَى سَقْيِ حَوَائِطِهَا» .

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الْبَيَاضِ مُنْفَرِدًا ثُلُثَ قِيمَةِ التَّمْرَةِ فَأَقَلَّ، كَمَا إذَا كَانَ مِائَةً وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِائَتَانِ، وَالْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ، هَذَا مُلَخَّصُ قَوْلِ خَلِيلٍ مُشَبَّهًا فِي الْجَوَازِ، وَكَبَيَاضِ نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ إنْ وَافَقَ الْجُزْءَ وَبَذَرَهُ الْعَامِلُ وَكَانَ ثُلُثًا بِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ فَسَدَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ، وَيَرُدُّ الْعَامِلُ إنْ عَمِلَ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي الْحَائِطِ، وَإِلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فِي الْبَيَاضِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ جَوَازِ إلْغَائِهِ لِلْعَامِلِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ أَخْذِهِ أَكْثَرَ مِمَّا شُرِطَ لَهُ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلْغَى) أَيْ يُتْرَكَ (ذَلِكَ) الْبَيَاضُ الْيَسِيرُ (لِلْعَامِلِ) إنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ اشْتَرَطَهُ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>