للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْعَيْنِ أَنْ يَغْسِلَ الْعَائِنُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ يُصَبَّ عَلَى الْمَعِينِ

وَلَا يُنْظَرُ فِي النُّجُومِ إلَّا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ وَأَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَيُتْرَكُ مَا سِوَى ذَلِكَ

وَلَا يُتَّخَذُ كَلْبٌ فِي الدُّورِ فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

شَرَعَ فِي صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ إذَا عُرِفَ الْعَائِنُ.

(وَ) صِفَةُ (الْغَسْلِ مِنْ الْعَيْنِ أَنْ يَغْسِلَ الْعَائِنُ) أَيْ النَّاظِرُ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ) الْمُرَادُ بِالْإِزَارِ هُنَا الْمِئْزَرُ، وَالْمُرَادُ بِدَاخِلَتِهِ مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنْهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَوْضِعُهُ مِنْ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَكْثَرُهُ، كَمَا يُقَالُ عَفِيفُ الْإِزَارِ أَيْ الْفَرْجُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ وَرِكُهُ وَيَكُونُ غَسْلُ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ (فِي قَدَحٍ ثُمَّ يَصُبُّ) ذَلِكَ الْمَاءَ الْمَغْسُولَ فِيهِ (عَلَى الْعَيْنِ) أَيْ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السُّمُّ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي عَيْنِ النَّاظِرِ وَيُصِيبُ الْمَنْظُورَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَعَدَمِ مُبَارَكَةِ النَّاظِرِ فَيَمُوتُ أَوْ يَمْرَضُ لِوَقْتِهِ، وَلِذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَيْنُ حَقٌّ» وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَالْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَا وَرَدَ: «أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ رَأَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَتَعَجَّبَ مِنْ بَيَاضِهِ وَحُسْنِهِ قَائِلًا: جِلْدُهُ جِلْدُ عَذْرَاءَ مُخَبَّأَةً فَمَرِضَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ لِوَقْتِهِ، فَأَخْبَرُوا بِهِ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ لِأَهْلِهِ: تَتَّهِمُونَ بِهِ؟ قَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَأَحْضَرَهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَزَجَرَهُ وَوَبَّخَهُ وَقَالَ: أَلَا بَارَكْت اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْوَضُوءَ شِفَاءُ الْعَيْنِ وَوَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي صِفَةِ ذَلِكَ الْوُضُوءِ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ مَا تَقَدَّمَ، وَصِفَةُ صَبِّ الْقَدَحِ عَلَى الْمَعِينِ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ وَيُقْلَبَ الْقَدَحُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْتَغْفِلُهُ بِذَلِكَ، فَهَذِهِ صِفَةُ رُقْيَةِ مَنْ أُصِيبَ بِالْعَيْنِ، وَيُجْبَرُ الْعَائِنُ عَلَى الْغُسْلِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِين الْهَلَاكُ وَلَمْ يُمْكِنْ زَوَالُ الْهَلَاكِ إلَّا بِهِ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مِعْيَانُ وَأَنَّهُ كُلَّمَا يَنْظُرُ إلَى شَيْءٍ يُصِيبُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا أَتْلَفَهُ بِعَدَمِ التَّقَدُّمِ إمَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يَقِفَ عَلَى حَالِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْجُنَ مَنْ عُرِفَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَيَكُونُ سِجْنُهُ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَنَظِيرُ مَنْ عُرِفَ بِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِالْحَالِ مَنْ تَعَمَّدَ مِنْهُمْ قَتْلَ شَخْصٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ.

١ -

(تَنْبِيهٌ) مِمَّا جُرِّبَ لِلْحِفْظِ مِنْ النَّظْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ تَقْرَأَ أَوْ تَحْمِلَ تِلْكَ الْآيَاتِ وَهِيَ: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٥١] {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ} [الأنعام: ١٧] {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: ١٠٧] {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: ٦] {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: ٥٦] {وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: ١٢] {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: ٦٠] {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: ٢ - ٣٨] . وَشَرْطُ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَنْ يَقْرَأَهَا أَوْ يَحْمِلَهَا مَعَ حُضُورِ قَلْبِهِ وَصِدْقِ نِيَّتِهِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْشَدَ إلَى التَّحَصُّنِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الطِّيَرَةِ وَعَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْعَائِنِ الْمُسَمَّى بِالْحَسُودِ وَهُوَ خَاسِرٌ وَفِي الدُّنْيَا لَا يَسُودُ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النُّجُومِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ) وَالنَّهْيُ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَيَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ (إلَّا) فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا: (فِيمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى) مَعْرِفَةِ (الْقِبْلَةِ) إذَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى النَّظَرِ فِيهَا فَإِنَّ نَظَرَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ، وَلِذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُسَافِرَ إلَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ مَنْ يَعْرِفُهَا.

قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي بَيَانِ صِفَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ: أَنْ تَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِكَ الْقُطْبَ ثُمَّ تَجْعَلَهُ عَلَى يَسَارِك فَمَا اسْتَقْبَلْت فَهُوَ نَاحِيَةُ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: قِبْلَةُ الْمَغْرِبِ مَا بَيْنَ السُّنْبُلَةِ إلَى التَّوْأَمَيْنِ، وَقِيلَ: قِبْلَةُ الْمَغْرِبِ مِنْ تُونُسَ إلَى طَنْجَةَ الثَّوْرُ وَالتَّوْأَمَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قِبْلَتُنَا فِي قُرْطُبَةَ مَطْلَعُ الْقُطْبِ لِأَنَّهُ يَطْلُعُ عَلَى رُكْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.

(وَ) ثَانِيَتُهَا النَّظَرُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَعْرِفَةِ (أَجْزَاءِ) جَمْعُ جُزْءٍ (اللَّيْلِ) لِيَظْهَرَ لَهُ مَا أَمْضَى مِنْهُ وَمَا بَقِيَ لِأَجْلِ نِيَّةِ الصَّوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>