للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ وَلَا التَّأْخِيرُ بِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ وَلَا تَعْجِيلُ عَرْضٍ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ.

وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

النِّكَاحِ مِثْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ، وَالزَّوْجَةَ مِثْلُ الْبَائِعِ، وَصَدَاقَ الْمِثْلِ نَظِيرُ الْقِيمَةِ فِي السِّلْعَةِ، وَالْمُسَمَّى نَظِيرُ الثَّمَنِ لِلسِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ. وَالضَّابِطُ الْحَاصِرُ لِمَا يَمْتَنِعُ جَمْعُهُ مَعَ السَّلَفِ هُوَ كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ السَّلَفِ مَعَ الصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ إنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ أَوْ مِنْ الْوَاهِبِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ الْبَيْعِ، وَمَا مَعَهُ مِنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ، لَا يَجُوزُ جَمْعُ الْبَيْعِ مَعَ النِّكَاحِ أَوْ الشَّرِكَةِ أَوْ الْجُعْلِ أَوْ الْمُغَارَسَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ، وَلَا جَمْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَ الْآخَرِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ السَّلَفَ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَ الْبَيْعِ، وَمَا مَعَهُ شَرَعَ فِي حُكْمِ السَّلَفِ وَحْدَهُ وَفِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ سَلَفُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ: (وَالسَّلَفُ) ، وَهُوَ الْقَرْضُ (جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ) يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فَيَدْخُلُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ وَلَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ، وَمِلْءُ الظَّرْفِ الْمَجْهُولِ. (إلَّا فِي سَلَفِ الْجَوَارِي) لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مِلْكِهَا، فَلَا يَجُوزُ سَلَفُهَا لَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نَفْسَ الذَّاتِ الْمُقْتَرَضَةِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ رَدُّهَا بَعْدَ التَّلَذُّذِ بِهَا، وَلِذَا لَا يَحْرُمُ إقْرَاضُهَا لِمَنْ لَا يَأْتِي مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ كَصَغِيرٍ وَشَيْخٍ فَانٍ، أَوْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ امْرَأَةً وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ لَا تُشْتَهَى، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ وَرُدَّتْ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَالْقِيمَةُ، وَلَا تُرَدُّ كَاسْتِيلَادِهَا وَلَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَاخْتَلَفَتْ فِي الْغَيْبَةِ عَلَيْهَا هَلْ تَكُونُ فَوْتًا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُمْكِنَ فِيهَا الْوَطْءُ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ لَا تَفُوتُ إلَّا بِالْوَطْءِ، وَمِثْلُ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حُرْمَةِ إقْرَاضِهَا لَا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ كَتُرَابِ الصَّوَّاغِينَ، وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى وَفَائِهِ بِمِثْلِهِ كَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ، وَإِنْ أَمْكَنَ وَصْفُهَا، وَلِذَلِكَ يَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ إلَّا فِي الْجَوَارِي (وَكَذَلِكَ تُرَابُ الْفِضَّةِ) لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حَقِيقَةَ السَّلَفِ وَبَيَّنَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ عَاجِلًا تَفَضُّلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ عَارِيَّةٍ لَا تَحِلُّ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةٍ، وَقَالَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِيَشْمَلَ مَا إذَا رَدَّ عَيْنَ مَا تَسَلَّفَهُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا عَاجِلًا عَنْ الْمُبَادَلَةِ الْمِثْلِيَّةِ، وَقَوْلُهُ تَفَضُّلًا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ، لَا إنْ حَصَلَ بِهِ نَفْعٌ لِلْمُقْرِضِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُقْرِضِ فَلَا يَجُوزُ.

الثَّانِي: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِجَائِزٍ يُوهِمُ إبَاحَتَهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْجَائِزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَائِزِ الْمَأْذُونَ فِيهِ شَرْعًا، لَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيصَالِ النَّفْعِ لِلْمُقْتَرِضِ وَتَفْرِيجِ كُرْبَتِهِ بَلْ قِيلَ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ: دِرْهَمُ الْقَرْضِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَدِرْهَمُ الصَّدَقَةِ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ سَأَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جِبْرِيلَ وَقَالَ: مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُقْتَرِضُ لَا يَقْتَرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَتِهِ» . وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ لَا يَأْخُذُ بَدَلَهَا بِخِلَافِ الْمُقْرِضِ، وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ

أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ لَمْ تَقَعْ الْمَوْقِعَ مَعَ قَرْضٍ وَقَعَ لِمَكْرُوبٍ انْدَفَعَتْ بِهِ كُرْبَتُهُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَقْتَضِي وُجُوبُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ كَرَاهَتُهُ وَتَعْسُرُ إبَاحَتُهُ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ النَّدْبُ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلُ الصَّدَقَةِ.

قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بِكْرًا، فَقُلْت: لَا أَجِدُ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَلَعَلَّ هَذَا قَبْلَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَالرُّبَاعِيُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ.

١ -

الثَّالِثُ: السَّلَفُ يُمْلَكُ وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ مِنْ صَدَقَةٍ، وَهِبَةٍ وَنِحْلَةٍ وَعُمْرَى وَغَيْرِهَا لِلْمُسْتَلِفِ، وَإِذَا قَبَضَهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِرَبِّهِ إلَّا إذَا انْتَفَعَ بِهِ عَادَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ يَمْضِي الْأَجَلُ الْمُشْتَرَطُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، وَيَجُوزُ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ عِنْدَ مَالِكٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا دَفَعَهُ الْمُقْتَرِضُ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ حَيْثُ دَفَعَهُ لَهُ بِمَحَلِّهِ لَا بِغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مَخُوفًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ قَبْلَ الْمَحَلِّ كَسَائِرِ الدُّيُونِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَشْيَاءَ نَهَى عَنْهَا الشَّارِعُ فَقَالَ: (لَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ) أَيْ الْحَطِيطَةُ (مِنْ الدَّيْنِ) كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ (عَلَى) شَرْطِ (تَعْجِيلِهِ) قَبْلَ حُلُولِهِ كَأَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنُ عَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ لِأَجَلٍ كَشَهْرٍ مَثَلًا وَيَتَّفِقُ مَعَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى إسْقَاطِ بَعْضِهِ وَيُعَجِّلُ لَهُ الْبَاقِيَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَهَذَا حَرَامٌ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الصُّورَةُ بِضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ، أَيْ حُطَّ عَنِّي حِصَّةً مِنْهُ وَأُعَجِّلُ لَك بَاقِيَهُ، وَحُرْمَةُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ عَامَّةٌ فِي دَيْنٍ بِالْبَيْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>