للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ مِنْ قَرْضٍ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ، وَمَنْ رَدَّ فِي الْقَرْضِ أَكْثَرَ عَدَدًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ وَلَا وَأْيٌ وَلَا عَادَةٌ فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُجِزْهُ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالْقَرْضِ كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَدَائِهِ إلَى سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا بَيَانُهُ أَنَّ مَنْ عَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ يُعَدُّ مُسَلِّفًا لِمَا عَجَّلَهُ لِيَأْخُذَ عَنْهُ بَعْدَ الْأَجَلِ مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ رَدَّ إلَيْهِ مَا أَخَذَهُ وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ دَيْنِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْبَاقِيَ الَّذِي كَانَ أَسْقَطَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ.

(وَ) كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الدَّيْنِ عَلَى إسْقَاطِ بَعْضِهِ (لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ) أَيْ تَأْخِيرُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ (بِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ) كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، كَانَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَفِيهِ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ مُسَلِّفٌ، وَهُوَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ الثَّانِي كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمِدْيَانِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ فَسْخَ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ حَرَامٌ مُطْلَقًا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ أَنَّ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ أَجَلًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَوْ مَعَ تَرْكِ بَعْضِهِ لَا حُرْمَةَ فِيهِ بَلْ مَنْدُوبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْفَاقِ بِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَالتَّبَرُّعُ لَهُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِهِ.

(وَ) مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ (لَا يُعَجَّلَ عَرَضٌ) أَيْ غَيْرُ نَقْدٍ قَبْلَ أَجَلِهِ (عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ) سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي الْكَمْيَّةِ أَوْ الْكَيْفِيَّةِ، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ. (إذَا كَانَ) الْعَرَضُ (مِنْ بَيْعٍ) أَوْ سَلَمٍ.

وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِ " حُطَّ الضَّمَانَ عَنِّي وَأَنَا أَزْيَدُك "، وَلَا فَرْقَ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجِنْسِ فِي الْكَمْيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ أَسْيُوطِيَّةٍ لِشَهْرٍ، وَيَتَّفِقُ مَعَ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهَا لَهُ نِصْفَ الشَّهْرِ مَعَ زِيَادَةِ ثَوْبٍ مِنْ نَوْعِهَا، وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجِنْسِ فِي الْكَيْفِيَّةِ أَنْ يُعَجِّلَ الْعَدَدَ عَلَى وَصْفٍ أَجْوَدَ مِنْ الْمُشْتَرَطِ، وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَنْ يُعَجِّلَ الْأَثْوَابَ عَلَى وَصْفِهَا مَعَ زِيَادَةِ دِرْهَمٍ أَوْ طَعَامٍ. وَمَفْهُومُ عَلَى الزِّيَادَةِ أَنَّ التَّعْجِيلَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ جَائِزٌ حَيْثُ رَضِيَ الْمُسَلِّمُ بِتَعْجِيلِهَا قَبْلَ أَجَلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِمَا فِيهَا. وَأَمَّا التَّعْجِيلُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَدْنَى صِفَةً فَيَمْتَنِعُ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ تَعْجِيلِ أَوْ تَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَعَلَى تَعْجِيلِ عَرَضِ الْبَيْعِ بِزِيَادَةٍ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَرَضِ الْقَرْضِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِهِ ذَلِكَ) الْعَرَضِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ حَيْثُ كَانَ (مِنْ قَرْضٍ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ) ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا كَانَ دَفْعُ الزِّيَادَةِ فِي الصِّفَةِ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الصِّفَةِ مُتَّصِلَةٌ فَلَا تُهْمَةَ بِسَبَبِهَا، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ فِي سَلَفِ بِكْرٍ جَمَلًا رُبَاعِيًّا وَقَالَ: إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَلِأَنَّ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك لَا يَدْخُلُ الْقَرْضَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْقَرْضِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَمِنْ حَقِّهِمَا، وَلِذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ الْمُقْتَرِضُ الْقَرْضَ قَبْلَ أَجَلِهِ وَفِي مَحَلِّهِ يَلْزَمُ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ إنْ كَانَ جَمِيعُ الْحَقِّ أَوْ بَعْضُهُ لِعُسْرِهِ بِالْبَاقِي.

وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلِ صِفَةٍ أَيْ جَائِزٌ، سَوَاءٌ حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَرْضُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا، وَأَمَّا قَضَاؤُهُ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا أَوْ فِيهِمَا فَيَجُوزُ إنْ حَلَّ لَا إنْ لَمْ يَحِلَّ، فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْقَرْضِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَوْ نَقَصَ صِفَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ لِلسَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَلِذَلِكَ قَالَ خَلِيلٌ أَيْضًا: وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ رَدَّ فِي الْقَرْضِ) الَّذِي عَلَيْهِ (أَكْثَرَ عَدَدًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) الْمُرَادُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ حُلُولُ أَجَلِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَجَلِ.

(فَقَدْ اخْتَلَفَ) الْعُلَمَاءُ (فِي ذَلِكَ) بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَقَيَّدَ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ وَلَا وَأْيٌ) أَيْ وَعْدٌ (وَلَا عَادَةٌ) بَيْنَ النَّاسِ بِقَضَاءِ الْأَكْثَرِ، وَبَيَّنَ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ: (فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ «خِيَارُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» . (وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ) أَيْ مَنَعَهُ بِقَرِينَةٍ (وَلَمْ يُجِزْهُ) وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ، وَعَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: لَا أَزِيدُ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا إلَّا كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ عَلَى مِيزَانٍ فَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.

قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: فَحَيْثُ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ يَجُوزُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْعَدَدِ كَانَ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَزْيَدَ فِي الْعَدَدِ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ قَضَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ، فَإِنْ سَاوَى الْأَقَلُّ وَزْنَ جَمِيعِ الْعَدَدِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ جَازَ، وَإِلَّا مُنِعَ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ الْعَامِلُ بِالْوَزْنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ ذَلِكَ الْوَزْنَ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ أَوْ نَقَصَ أَوْ سَاوَى.

وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ مُطْلَقًا، وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَقَلَّ حَيْثُ حَلَّ الْأَجَلُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ وَبِالْوَزْنِ فَاخْتَارَ الْأُجْهُورِيُّ إلْغَاءَ الْعَدَدِ وَاخْتَارَ غَيْرُهُ إلْغَاءَ الْوَزْنِ رَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ. وَحَمَلْنَا مَجْلِسَ الْقَضَاءِ عَلَى حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ كَلَامِ خَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَبْلَ الْأَجَلِ بِأَكْثَرَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، كَمَا اُتُّفِقَ عَلَى حُرْمَةِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الشَّرْطِ أَوْ الْوَعْدِ أَوْ الْعَادَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ الْعَرَضِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>