للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرْضٍ مُؤَجَّلٍ فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الْعُرُوضَ وَالطَّعَامَ مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ بَيْعٍ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرٍ أَوْ حَبٍّ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ، وَإِنْ نَخْلَةً مِنْ نَخِيلٍ كَثِيرَةٍ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي الْأَنْهَارِ

ــ

[الفواكه الدواني]

دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ مُؤَجَّلٍ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فَلَهُ) أَيْ فَيَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ (أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ) مُسَاوِيًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ أَعْلَى وَيُجْبَرُ صَاحِبُهُ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ أَجَلَ دَيْنِ الْعَيْنِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَلَا فَرْقَ فِي جَبْرِ صَاحِبِ الْعَيْنِ عَلَى قَبُولِهَا بَيْنَ كَوْنِ الدَّفْعِ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا كُلْفَةَ فِي حَمْلِ الْعَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الْعَيْنِ غَيْرَهَا مِمَّا يَخِفُّ حَمْلُهُ كَالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ، وَإِنْ أُلْحِقَتْ بِالْعُرُوضِ فِي غَيْرِ هَذَا، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِهِ.

قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ وَفِي مَحَلِّهِ ثُمَّ قَالَ: كَفِيلُ مَحَلِّهِ فِي الْقَرْضِ مُطْلَقًا، وَفِي الطَّعَامِ إنْ حَلَّ إنْ لَمْ يَدْفَعْ كِرَاءً وَلَزِمَ بَعْدَهُمَا كَقَاضٍ إنْ غَابَ.

قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ لُزُومُ قَبُولِ دَيْنِ الْعَيْنِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ خَوْفٌ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا فِي دَيْنِ غَيْرِ الْعَيْنِ، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا لُزُومُ الْقَبُولِ بِأَنْ يُجْعَلَ جَمِيعُهُ أَوْ بَعْضُهُ مَعَ عُسْرِهِ بِالْبَاقِي، وَقَوْلُنَا مُسَاوِيًا أَوْ أَعْلَى؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْأَقَلِّ حَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْقَرْضَ أَيْضًا، وَتَعْجِيلُ الْأَكْثَرِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَوْقَ رُجْحَانِ الْمِيزَانِ فِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْقَرْضِ، بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِأَكْثَرَ إذَا كَانَ عَيْنًا.

قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ: وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ وَجَازَ بِأَكْثَرَ.

(تَنْبِيهٌ) . إذَا عَرَفْت هَذَا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَوْ قَالَ بَدَلَ فَلَهُ أَيْ يُعَجِّلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ فَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا قَبُولُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلِأَجْلِ الْإِخْرَاجِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: لَا مِنْ بَيْعٍ فَإِنَّهُ مُخْرَجٌ مِنْ لُزُومِ الْقَبُولِ لَا مِنْ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي عُرُوضِ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، وَيَجُوزُ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِمَا فَيَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى التَّعْجِيلِ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَقْصِدْ التَّدْقِيقَ فِي التَّعْبِيرِ نَظَرًا لِحَالِ مَنْ قَصَدَهُ بِكِتَابِهِ، وَلَمَّا كَانَ دَيْنُ الْقَرْضِ يَفْتَرِقُ فِيهِ عَرَضُ الْبَيْعِ مِنْ الْقَرْضِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ لَهُ) أَيْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (أَنْ يُعَجِّلَ الْعُرُوضَ وَالطَّعَامَ) قَبْلَ الْأَجَلِ إذَا كَانَتَا (مِنْ قَرْضٍ) وَيُجْبَرُ الْمُقْتَرِضُ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْقَرْضِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أُسْقِطَ حَقُّهُ مِنْهُ لَزِمَ الْآخَرَ الْقَبُولُ حَيْثُ كَانَ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ لِكُلْفَةِ الْحَمْلِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَا مِنْ بَيْعٍ) فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ دَيْنِ الْعَرَضِ وَالطَّعَامِ قَبُولُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي عَرَضِ الْبَيْعِ، وَمِنْهُ السَّلَمُ مِنْ حَقِّهِمَا، فَإِذَا عَجَّلَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ قَبُولُهُ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الْعَرَضِ تَعْجِيلُهُ إذَا رَضِيَ مَنْ هُوَ لَهُ بِقَبْضِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَيْنَ الْعَيْنِ يَجُوزُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ تَعْجِيلُهُ وَيَلْزَمُ صَاحِبَهُ قَبُولُهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ فَيُفَصَّلُ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَيُجْبَرُ مُسْتَحِقُّهُ عَلَى قَبُولِهِ، وَأَمَّا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يُجْبَرُ مُسْتَحِقُّهُ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَجَلُ فِي عُرُوضِ الْبَيْعِ مِنْ حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهَا تُرْصَدُ بِهَا الْأَسْوَاقُ طَلَبًا لِلْأَرْبَاحِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَلَخَّصَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ لُزُومُ قَبُولِ دَيْنِ الْقَرْضِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ غَيْرِ الْعَيْنِ حَيْثُ كَانَ الدَّفْعُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ غَيْرِ التَّعَيُّنِ مُطْلَقًا، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْعَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ خَوْفٌ.

الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ الدَّفْعِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِوُضُوحِ أَمْرِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الدَّفْعِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ الْقَبُولِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَ بَعْدَهُمَا كَقَاضٍ إنْ غَابَ وَجَازَ أَجْوَدُ وَأَرْدَأُ لَا أَقَلُّ إلَّا عَنْ مِثْلِهِ وَيُبْرِئُ مِمَّا زَادَ، أَيْ يَجُوزُ لِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَفِي مَحَلِّ السَّلَمِ الْأَجْوَدَ عَلَى الْأَدْنَى وَالْأَدْنَى عَنْ الْأَجْوَدِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَجْوَدِ حَسَنُ قَضَاءٍ وَالْأَدْنَى حَسَنُ اقْتِضَاءٍ، وَأَمَّا قَبُولُ الْأَقَلِّ قَدْرًا عَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَا لَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا كَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا مَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا كَالْأَطْعِمَةِ وَالنُّقُودِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ الْقَلِيلِ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِبْرَاءِ ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مِمَّا زَادَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا أَخْذُ الْقَلِيلِ صُلْحًا عَنْ الْجَمِيعِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ خَلِيلٍ ذَكَرْنَاهُ إتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسَائِلَ يُعْلَمُ مِنْهَا شَرْطِيَّةُ الِانْتِفَاعِ وَالْعِلْمِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ كَبَلَحٍ وَعِنَبٍ (أَوْ حَبٍّ) كَقَمْحٍ وَفُولٍ (لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) ؛ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا فِي الْبَيْعِ، وَلِذَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ لَمَّا ذَكَرَ إنْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا عَلَى شَرْطِ الْجَذِّ فَيَجُوزُ إنْ نَفَعَ وَاضْطُرَّ لَهُ وَلَمْ يَتَمَالَأْ عَلَيْهِ.

وَكَذَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ بِأَنْ اشْتَرَيَا مَعَهُ أَوْ الْأَصْلَ أَوَّلًا ثُمَّ أُلْحِقَ بِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>