للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّيْنِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْمِيرَاثِ

وَمَنْ حَازَ دَارًا عَنْ حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ لَا يَدَّعِي شَيْئًا فَلَا قِيَامَ لَهُ

وَلَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْهَارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ

وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ أَوْ بِقَبْضِهِ

وَمَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

خَلِيلٍ، وَأَيْضًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَاطِفًا: وَلَهُ إنْكَاحُ صِغَارِ بَنِيهِ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِ وَلَا يُجْبَرُ اتِّفَاقًا، وَالثَّيِّبُ بِإِذْنِهَا، فَيُسْتَفَادُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إنْكَاحُ الْأُنْثَى إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِجَبْرِهَا أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَارْتَكَبَ مَا لَا يَجُوزُ صَحَّ فِي الْبَالِغِ بِإِذْنِهَا وَفُسِخَ أَبَدًا فِي الصَّغِيرَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ زَوَّجَ مُوصٍ عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبَضَ دُيُونَهُ صَحَّ، قَالَ شُرَّاحُهُ: هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ تُجْبَرُ وَإِلَّا فُسِخَ أَبَدًا،

وَلَمَّا كَانَتْ الْعَدَالَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ مَأْمُونٍ) أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ (فَإِنَّهُ يُعْزَلُ) قَالَ خَلِيلٌ: وَطُرُوُّ الْفِسْقِ بِعَزْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِغَيْرِ عَدْلٍ أَوْ لِعَاجِزٍ أَوْ لِمَنْ لَيْسَ فِيهِ كَفَاءَةٌ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ؛ لِأَنَّ شُرُوطَهَا مَطْلُوبَةٌ ابْتِدَاءً وَدَوْمًا

ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً كَانَ الْأَوْلَى ذَكَرُهَا فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْفَرَائِضِ فَقَالَ: (وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ) وَسَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَيِّتِ مِنْ أُجْرَةِ حَفْرٍ وَدَفْنٍ وَتَغْسِيلٍ وَثَمَنِ حُنُوطٍ الْمَعْرُوفِ (ثُمَّ) بَعْدَ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ يُدْفَعُ (الدَّيْنُ) الْمُتَعَلِّقُ بِذِمَّتِهِ لِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (ثُمَّ) بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ تُنَفَّذُ (الْوَصِيَّةُ) الَّتِي أَوْصَى بِهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ يُدْفَعُ (الْمِيرَاثُ) إلَى الْوَارِثِ بِالْفَرْضِ أَوْ التَّعْصِيبِ أَوْ هُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْآتِي.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ مُؤَنَ التَّجْهِيزِ تُقَدَّمُ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ، كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالشَّيْءِ الْمَرْهُونِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ وَدَرَجَ عَلَيْهَا فِي التِّلْمِسَانِيَّة حَيْثُ قَالَ:

إنْ امْرُؤٌ قَدْ قُدِّرَتْ مَنُونُهُ ... كُفِّنَ ثُمَّ أُدِّيَتْ دُيُونُهُ

وَبَعْدَ ذَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ ... وَيَقَعُ الْمِيرَاثُ فِي الْبَقِيَّةِ

وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَعَبْدٍ جَنَى ثُمَّ مُؤَنُ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ ثُمَّ الْبَاقِي لِوَارِثِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْكَفَنُ وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ عَلَى الدُّيُونِ الْمُرْسَلَةِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ شَبِيهٌ بِالْمُفْلِسِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَابْنِ عُمَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمُرَادَ يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمُعَيَّنَاتِ مِثْلِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، وَالزَّكَاةِ إذْ حَلَّ حَوْلُهَا فِي مَرَضِهِ، وَالرَّهْنِ إذَا كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا كَانَ بِيَدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَزَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ إذْ طَابَتْ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْكَفَنُ وَبَقِيَّةُ الْحُقُوقِ الْخَمْسَةِ، فَالْبَدْءُ فِي كَلَامِهِ عَلَى هَذَا إضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا بِأَثَرِ الشَّهَادَاتِ لِمَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ التَّنَازُعِ فَقَالَ: (وَمَنْ حَازَ) مِنْ الْأَجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ لِلْجَائِزِ (دَارًا) أَوْ غَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَقَارِ (عَنْ حَاضِرٍ) سَاكِتٍ مُدَّةَ (عَشْرَ سِنِينَ) وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ وَيَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ لَهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا (تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا) وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَاضِرِ الْمُتَقَدِّمِ (حَاضِرٌ عَالِمٌ) بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَعَالِمٌ بِحِيَازَةِ هَذَا وَبِتَصَرُّفِهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ وَبِدَعْوَى الْحَائِزِ الْمِلْكِيَّةَ لِلْوَضْعِ الْمُحَازِ وَلَوْ مَرَّةً (لَا يَدَّعِي شَيْئًا) مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لَهُ فِي الْكَلَامِ (فَلَا قِيَامَ لَهُ) وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» فَالْحِيَازَةُ تَنْقُلُ الْمِلْكَ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ بُرْهَامٌ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: الْحِيَازَةُ تَكُونُ فِي مَعْلُومِ الْأَصْلِ وَمَجْهُولِهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمُحَازِ عَنْهُ لِلْحَائِزِ اتِّفَاقًا لَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، كَإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَقُولُ: لَعَلَّ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ طَرِيقَةٌ وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُشَبَّهِ يُشْبِهُ ظَاهِرَهُ لِمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ بُرْهَامٌ: مِنْ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَنْقُلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَاحِبُهَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَالِكُهَا، وَلَعَلَّ وَجْهُ نَقْلِهَا لِلْمِلْكِ أَنَّ حُضُورَ صَاحِبِهَا وَعِلْمَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ مَعَ مُشَاهَدَتِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهَا مَعَ دَعْوَاهُ الْمِلْكِيَّةَ وَالتَّصَرُّفَ لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْهَا وَتَسْلِيمِهَا لِلْحَائِزِ، وَأَنَّهُ مَلَكَ الشَّيْءَ الْمُحَازَ لِذَلِكَ الْحَائِزِ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي بِالْإِسْكَانِ لِلْحَائِزِ أَوْ الْإِعْمَارِ أَوْ الْإِرْفَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُفَوِّتُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الْحَائِزِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعِي مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا قُلْنَا وَهُوَ يَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي تِلْكَ الْحِيَازَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِ فِيهَا الْمِلْكِيَّةَ فَلَا يَمْلِكُ مَا حَازَهُ وَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْغَيْرِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَأَمَّا التَّصَرُّفُ بِالْمَصْلَحَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَرْضَى بِفِعْلِهِ بِمِلْكِهِ، وَهَذَا فِي التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>