للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالْوَصِيِّ

وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ

وَمَنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ مَأْمُونٍ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ

وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ ثُمَّ

ــ

[الفواكه الدواني]

بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَا قَبْلَهُ. وَحَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ عِنْدَ الْقِرَاضِ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهَا، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ نَحْوُ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى أَوْلَادِي مَثَلًا، وَوَجْهُ الْعُمُومِ أَنَّهَا شَامِلَةٌ لِوَصِيَّةِ الْمَالِ وَوَصِيَّةِ النَّظَرِ.

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْفَرْضِيِّينَ فَهِيَ خَاصَّةٌ بِوَصِيَّةِ الْمَالِ، كَأَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ أَوْ الْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِي أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَحُكْمُهَا النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَالِيَّةٌ كَأَوْصَيْتُ لِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِي، وَنَظَرِيَّةٌ كَأَقَمْت فُلَانًا وَصِيًّا عَلَى أَوْلَادِي وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا.

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْمُوصِي وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَهُ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْمِلْكُ، وَالْوَصِيُّ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ، وَالْعَدَالَةُ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَحُسْنُ التَّصَرُّفِ وَالنَّظَرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْوَصِيِّ عَلَى الْأَيْتَامِ وَقَبْضِ أَمْوَالِهِمْ لَا عَلَى الثُّلُثِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَمَنْ وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطُ صَحَّ كَوْنُهُ وَصِيًّا، وَلَوْ أَعْمَى أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَالْعَبْدُ يَنْصَرِفُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْمُوصَى فِي وَصِيَّةِ النَّظَرِ عَلَى الْمَحْجُورِ الْأَبُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ كَأُمِّ الْمَحْجُورِ إنْ قَلَّ الْمَالُ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَوَرِثَ عَنْهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَبِ الرُّشْدُ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ وَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْمُوصَى فِيهِ إمَّا تَفْرِقَةُ الثُّلُثِ أَوْ الْقِيَامُ بِأَمْرِ الْيَتِيمِ.

وَالرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَهِيَ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ، لَكِنْ إنْ قُصِّرَتْ عَمَّتْ وَإِنْ طَالَبَ خَصَّتْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَصِيٌّ فَقَطْ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ وَيُزَوِّجُ صِغَارَ بَنِيهِ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِنَّ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ فَيُجْبِرُ، وَلَوْ تَعَدَّى الْوَصِيُّ عَلَى التَّرِكَةِ وَزَوَّجَ بَعْضَ بَنَاتِ الْمُوصِي صَحَّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبَضَ دُيُونَهُ صَحَّ.

قَالَ شُرَّاحُهُ: الْمُرَادُ زَوَّجَ مَنْ لَمْ تُجْبَرْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ التَّزْوِيجَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ زَوَّجَ مَنْ تُجْبَرُ لِفَسْخٍ أَبَدًا فَقَالَ: (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ) الَّذِي أَوْصَاهُ الْأَبُ وَإِنْ تَسَلْسَلَ. (كَالْوَصِيِّ) فِي كُلِّ مَا كَانَ لِلْمُوصِي فِعْلٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا يُوصِي لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ وَإِنْ بَعُدَ لَا غَيْرُهُمَا، كَمُقَدَّمِ قَاضٍ أَوْ جَدٍّ سِوَى الْأُمِّ فَإِنَّ لَهَا الْإِيصَاءُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمِثْلُ الْوَصِيِّ فِي صِحَّةِ الْإِيصَاءِ لِغَيْرِهِ الْخَلِيفَةُ وَالْمُجْبِرُ وَإِمَامُ الصَّلَاةِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ إنْ جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ الْإِيصَاءَ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مِمَّا قَبْلَ التَّوْلِيَةِ فِيهِ يَجُوزُ لَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ، وَمَنْ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ كَالْأَمِينِ عَلَى الرَّهْنِ وَالْوَكِيلِ وَالْقَاضِي فَلَيْسَ لَهُ الْإِيصَاءُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيصَاءُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا حَيْثُ كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّحِدًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيصَاءُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِاثْنَيْنِ حَمْلٌ عَلَى التَّعَاوُنِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَا فَالْحَاكِمُ وَلَا لِأَحَدِهِمَا إيصَاءٌ وَلَا لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ وَإِلَّا ضَمِنَا.

وَلَمَّا كَانَ الْوَصِيُّ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ الْأَبِ قَالَ: (وَلِلْوَصِيِّ أَنْ) يُعَاقَدَ شَخْصًا (يَتَّجِرُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى) لِخَبَرِ «اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِئَلَّا تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ» . وَإِنَّمَا حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لِلْوَصِيِّ فِعْلُهُ: وَدَفْعُ مَالِهِ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ، فَإِنْ عَمِلَ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَسَارَةَ عَلَيْهِ كَالْمُودِعِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْتِوَاءٌ لَهُ النَّمَاءُ وَمِثْلُهُمَا الْغَاصِبُ لِدَرَاهِمَ يَتَّجِرُ فِيهَا لَهُ رِبْحُهَا وَلَوْ غَصَبَهَا مِنْ تَاجِرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

(وَ) لِلْوَصِيِّ أَيْضًا أَنْ (يُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ) أَيْ الْيَتَامَى.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرُهُ لِنَظَرٍ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْلِ بِالْمَعْرُوفِ، وَفِي خَتْنِهِ وَعُرْسِهِ وَعِيدِهِ وَدَفْعِ نَفَقَةٍ لَهُ، قُلْت: وَإِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ وَزَكَاتِهِ وَدَفْعٌ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ، وَدَفْعُ مَالِهِ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً، وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ وَلَا اشْتِرَاءً مِنْ التَّرِكَةِ، وَتَعَقُّبٌ بِالنَّظَرِ إلَّا كَحِمَارَيْنِ قَلَّ ثَمَنُهُمَا وَتَسَوُّقٌ بِهِمَا الْحَضَرَ وَالسَّفَرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ الرَّغَبَاتُ فِيهِمَا فَيَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ حِينَئِذٍ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْإِمَامِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ، فَيَجُوزُ لِلْمُوصِي أَنْ يُزَوِّجَ الْعَبِيدَ كَمَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ الْإِمَاءِ، حَيْثُ كَانَ تَزْوِيجُ الْجَمِيعِ نَظَرًا وَمَصْلَحَةً وَظَاهِرَةً، وَلَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَقَالَ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخَيَّرٌ فِيمَا ذُكِرَ وَلَا يُجْبَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ انْتَهَى، وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الْجَبْرُ وَإِلَّا أُجْبِرَ.

وَالثَّانِي: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَزْوِيجِ إمَائِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى تَزْوِيجِ أَوْلَادِهِ، وَذَكَرَهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: لِلْوَصِيِّ الذَّكَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الطِّفْلُ الذَّكَرُ الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ لَهُ جَبْرُهُ عَلَى التَّزْوِيجِ فَالْأَبُ قَالَ بُرْهَامٌ وَلَا خِلَافَ فِي جَبْرِ الْأَبِ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِيهِ غِبْطَةٌ كَنِكَاحِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقُيِّدَ الْوَصِيُّ بِالذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَعْقِدُ نِكَاحَ الْأُنْثَى، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الطِّفْلِ الذَّكَرِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا أَيْ يُجْبِرُهَا أَوْ يُعَيِّنُ لَهُ الزَّوْجَ كَمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>