للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ تَمَّتْ سَنَةً وَلَمْ يَأْتِ لَهَا أَحَدٌ فَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا وَضَمِنَهَا لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ.

وَإِنْ انْتَفَعَ بِهَا ضَمِنَهَا وَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكٍ لَمْ يَضْمَنْهَا.

وَإِذَا عَرَفَ طَالِبُهَا الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ أَخَذَهَا.

وَلَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ ضَالَّةَ

ــ

[الفواكه الدواني]

لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا فَيُكْرَهُ لَهُ الِالْتِقَاطُ مَعَ عِلْمِهِ أَمَانَةَ نَفْسِهِ أَوْ شَكَّ فِيهَا وَلَوْ خَافَ الْخَائِنُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ أَخْذُهَا لِخَوْفِ خَائِنٍ لَا إنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ هُوَ فَيُحَرَّمُ وَإِلَّا كُرِهَ، وَفَائِدَةُ الْوُجُوبِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا أَوْ رَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ وَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا، وَفَائِدَةُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَهَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ قَبْلَ رَدِّهَا لِمَحَلِّهَا بِحَالِهَا، وَأَمَّا فِي الْمَكْرُوهِ فَلَا يَضْمَنُهَا بِتَرْكِهَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا إذَا أَخَذَهَا وَرَدَّهَا لِمَوْضِعِهَا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَضَاعَتْ.

الثَّانِي: لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ زَمَنَ تَعْرِيفِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا أَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا كَمَا إذَا أَخَذَهَا لِيَتَمَلَّكَهَا فَإِنَّهُ يُخَاطَبُ بِضَمَانِهَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِالْغَاصِبِ، فَلَوْ تَنَازَعَ مَعَ رَبِّهَا بَعْدَ ضَيَاعِهَا أَوْ تَلَفِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيُعَرِّفَهَا وَادَّعَى رَبُّهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا بِقَصْدِ تَمَلُّكِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُلْتَقِطِ بِلَا يَمِينٍ، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَخْذَهَا وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ.

(فَإِنْ تَمَّتْ) أَيْ انْقَضَتْ (سَنَةٌ) أَوْ أَيَّامٌ فِيمَا يُعْرَفُ أَيَّامًا

(وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَأْتِ) أَيْ لَمْ يَظْهَرْ (لَهَا أَحَدٌ) يَسْتَحِقُّ أَخْذَهَا بِوَصْفِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ شَاءَ) الْمُتَلَقِّطُ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ (حَبَسَهَا) لِرَبِّهَا (وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا) عَنْ رَبِّهَا (وَضَمِنَهَا لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ) فَوَجَدَهُ تَصَدَّقَ بِهَا وَقَدْ فَاتَتْ عِنْدَ الْفَقِيرِ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَهَا قَائِمَةً فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا، وَإِنْ أَخَذَ صَاحِبُهَا قِيمَتَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ فَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَى الْفَقِيرِ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَلَقِّطُ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْفَقِيرِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ضَامِنًا لَهَا فِي الصُّورَتَيْنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ حَبْسُهَا بَعْدَهَا أَوْ التَّصَدُّقُ أَوْ التَّمَلُّكُ وَلَوْ بِمَكَّةَ ضَامِنًا فِيهِمَا، وَمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ مَكَّةَ إلَّا لِمُنْشِدٍ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَاجِّ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَنْ يُرِيدُ تَمَلُّكَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ بَلْ لَا تُؤْخَذُ إلَّا لِتُعْرَفَ، وَسَبَبُ تَنْبِيهِ الشَّارِعِ عَلَى خُصُوصِ لُقَطَةِ مَكَّةَ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَادَ حَتَّى فِي غَيْرِهَا أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ تُوجَدُ كَثِيرًا فِي الْحَرَمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ مِنْ كُلِّ قُطْرٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الَّذِي قُطْرُهُ بَعِيدٌ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ مَرَّةً أُخْرَى فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكْثُرُ أَخْذُهَا بِنِيَّةِ التَّمَلُّكِ، فَنَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا بِهَذَا الْقَصْدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا كَذَلِكَ، وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَيْرَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ بِيَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا حَبْسُهَا لِرَبِّهَا أَوْ بَيْعُهَا وَحَبْسُ ثَمَنِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِرَبِّهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَلَا تَمَلُّكُهَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَشَقَّةُ تَخْلِيصِ مَا فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَبَقَ مِنْهُ عَبْدٌ وَبَلَغَهُ أَنَّهُ بِيَدِ الْإِمَامِ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَهُ أَنَّهُ بِيَدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ كَانَ مَنْ بِيَدِهِ غَاصِبًا وَلَكِنْ أَقَرَّ بِهِ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ اُنْظُرْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَضْمَنُ اللُّقَطَةَ فِي التَّصَدُّقِ بِهَا وَلَوْ عَنْ رَبِّهَا وَفِي حَالَةِ تَمَلُّكِهَا لَا فِي حَالَةِ حَبْسِهَا لِرَبِّهَا فَإِنَّ ضَمَانَهَا فِيهَا مِنْ رَبِّهَا لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ.

الثَّانِي: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ مُسْتَحِقُّ غَلَّةِ اللُّقَطَةِ، وَفِي خَلِيلٍ: وَلَهُ كِرَاءُ بَقَرٍ وَنَحْوِهَا فِي عَلَفِهَا كِرَاءً مَضْمُونًا أَيْ مَأْمُونًا، وَلَهُ رُكُوبُ دَابَّةٍ مِنْ مَوْضِعِ الْتِقَاطِهَا إلَى مَوْضِعِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ قَوَدُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا، وَلِلْمُلْتَقِطِ غَلَّاتُهَا مِنْ لَبَنٍ وَجُبْنٍ، لَا صُوفُهَا وَلَا نَسْلُهَا وَلَا كِرَاؤُهَا الزَّائِدِ عَلَى عَلَفِهَا فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهَا، وَإِنْ كَلَّفَهَا الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا غَلَّةٌ فَإِنَّ صَاحِبَهَا يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهَا وَدَفْعِ كُلْفَتِهَا وَلَهُ تَسْلِيمُهَا لِلْمُلْتَقِطِ فِي كُلْفَتِهَا وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهَا لِأَنَّ رَبَّهَا لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ عَلَى قِيمَتِهَا، وَلَوْ ظَهَرَ عَلَى صَاحِبِهَا دَيْنٌ لَقَدِمَ الْمُلْتَقِطُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى ذِي الدَّيْنِ كَالْمُرْتَهِنِ.

وَلَمَّا كَانَتْ اللُّقَطَةُ كَالْوَدِيعَةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بَيَّنَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَدَّى وَانْتَفَعَ بِهَا فَقَالَ: (وَإِنْ انْتَفَعَ) . الْمُلْتَقِطُ (بِهَا) فِي غَيْرِ رُكُوبِهَا لِمَوْضِعِهِ وَتَلِفَتْ (ضَمِنَهَا) وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَلَفٌ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهَا لِمَالِكِهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُكْرِي الدَّوَابَّ، وَأَمَّا لَوْ هَلَكَتْ لَا بِسَبَبِ انْتِفَاعِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ هَلَكَتْ) أَيْ اللُّقَطَةُ سَوَاءٌ كَانَ (قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكٍ) أَيْ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ الْمُلْتَقِطِ. (لَمْ يَضْمَنْهَا) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ اللُّقَطَةَ تَحْتَ يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ إلَّا بِتَعَدِّيهِ، وَأَمَّا لَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا الْمُلْتَقِطُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي بَيْعِهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا الثَّمَنُ، وَقَبْلَ السَّنَةِ يُخَيَّرُ رَبُّهَا بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ وَرَدِّهِ وَأَخْذِهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ قِيمَتُهَا إنْ فَاتَتْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَهَا فَمَا لِرَبِّهَا إلَّا الثَّمَنُ، بِخِلَافِ لَوْ وَجَدَهَا بِيَدِ الْمِسْكَيْنِ أَوْ مُبْتَاعٍ مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهَا، وَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا أَوْ قِيمَتُهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا عَرَفَ طَالِبُهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ (الْعِفَاصَ) وَهُوَ الْخِرْقَةُ الْمَرْبُوطَةُ فِيهَا الْمَالُ.

(وَ) عَرَفَ أَيْضًا (الْوِكَاءَ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ طَرَفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>