يَرْحَمُك اللَّهُ
وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ عَلَيْهِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْ يَقُولُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ
وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ
وَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الشَّيْطَانُ.
(تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا يَنْبَغِي قَوْلُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْمَكْرُوهَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَقُولُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الشَّيْءَ الْحَسَنِ، وَتَعَرَّضَ لَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إلَّا مِنْ يُحِبُّ» وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّعْبِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ: «فَلْيَعْرِضْهُ عَلَى ذِي رَأْيٍ نَاصِحٍ عَالِمٍ بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا» لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الْخَوْضُ فِي التَّعْبِيرِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِعِلْمِ التَّأْوِيلِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّعْبِيرُ اعْتِمَادًا عَلَى مُجَرَّدِ مَا يَرَاهُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى الْمُسَطَّرِ فِي الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ عَنْ شُيُوخِ الْعِلْمِ، لِاحْتِمَالِ خَفَاءِ قَيْدٍ وَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ رَأَى مَا يُحِبُّ كَتْمُ مَا رَآهُ إلَّا عَنْ حَبِيبٍ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا، بِخِلَافِ مَنْ رَأَى الْمَكْرُوهَ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ الصَّلَاةُ وَالسُّكُوتُ عَنْ التَّحْدِيثِ بِمَا رَأَى كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرُّؤْيَا شَرَعَ فِي أَحْكَامِ التَّثَاؤُبِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ شَرْطِيَّةٌ وَشَرْطُهَا (تَثَاءَبَ) بِمُثَنَّاةٍ وَمُثَلَّثَةٍ وَبِالْوَاوِ مَصْدَرُهَا التَّثَاؤُبُ.
قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ تَفَاعَلَ، وَلَا يُقَالُ تَثَاوَبَ بِالْوَاوِ وَمَعْنَاهُ أَصَابَهُ الْكَسَلُ وَانْفَتَحَ فَاهُ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي عَضَلَاتِ الْفَكِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَمَا يُورِثُ الْكَسَلَ يُورِثُ ثِقَلَ الْبَدَنِ وَسُوءَ الْفَهْمِ وَالْغَفْلَةَ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ (فَلْيَضَعْ) نَدْبًا (يَدَهُ) الْيُمْنَى أَوْ ظَاهِرَ الْيُسْرَى (عَلَى فِيهِ) وَلَا يَضَعُ بَاطِنَ الْيُسْرَى لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِمُبَاشَرَةِ الْأَقْذَارِ، عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ شَرْطًا بَلْ الْمَقْصُودُ سَدُّ الْفَمِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَأَزَالَ يَدَهُ نَفَثَ ثَلَاثًا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يَسْتَأْنِفُ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ نَفْثٍ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفُثُ فِي حَالِ التَّثَاؤُبِ، وَلَمَّا كَانَ التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ لَمْ يَتَثَاءَبْ نَبِيٌّ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقْرَبُ الْأَنْبِيَاءَ.
(وَمَنْ) شَرْطِيَّةٌ شَرْطُهَا (عَطَسَ) بِفَتَحَاتٍ الْمَاضِي وَبِفَتْحٍ أَوْ ضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ الْمُضَارِعِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ (فَلْيَقُلْ) نَدْبًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) مُسْمِعًا لِمَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ لِكَيْ يُشَمِّتَهُ، لَا إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَلَا يَحْمَدُ لَا جَهْرًا وَلَا سِرًّا، لِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ أَهَمُّ بِالِاشْتِغَالِ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِخُصُوصِ الْحَمْدِ.
وَرُوِيَ زِيَادَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا.
(فَائِدَةٌ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا تَجَشَّأَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَطَسَ فَلَا يَرْفَعْ بِهِمَا الصَّوْتُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ بِهِمَا الصَّوْتُ» وَذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَزَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ مِثْلَهُمَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى) جِهَةِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى كُلِّ (مَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (اللَّهَ) بِخُصُوصٍ مِنْ لَفْظِ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ (أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ) وَمِثْلُ سَمَاعِهِ الْعَاطِسَ سَمَاعُ تَشْمِيتِ اللَّهِ لَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَسْمَعْ حَمْدَ الْعَاطِسِ فَلَا يُشَمِّتُهُ إلَّا أَنْ يَرَى تَشْمِيتَ النَّاسِ لَهُ فَيُشَمِّتُهُ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي عَدَمِ تَشْمِيتِهِ لَوْ تَرَكَ لَفْظَ الْحَمْدِ لِلَّهِ، وَلَوْ أَتَى بِغَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِ الْعَوَامّ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَهُ لِكَيْ يُشَمِّتَهُ كَمَا جَاءَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلٌ وَلَمْ يَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ: مَا يَقُولُ الْعَاطِسُ؟ فَقَالَ: يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْأَوْزَاعِيُّ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَنَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى نَدْبِ تَنْبِيهِ الْإِمَامِ عِنْدَ نِسْيَانِهِ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الْمَفْرُوضَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُرَجَّحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَدْبِ تَنْبِيهِ الْعَاطِسِ عَلَى الْحَمْدِ مَا وَرَدَ مِنْ أَنْ يَسْبِقَ الْعَاطِسُ بِالْحَمْدِ يَأْمَنُ مِنْ الشَّوْصِ وَاللُّصُوصِ وَالْعِلَّوْصِ، أَيْ وَجَعُ الضِّرْسِ وَالْأُذُنِ وَالْبَطْنِ، الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ، وَالثَّانِي لِلثَّانِي، وَهَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، وَقَوْلِي: وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ مَنْ فِي صَلَاةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، بَلْ لَوْ قَالَ الْمُصَلِّي لِلْعَاطِسِ: يَرْحَمُك اللَّهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَا يَرُدُّ الْمُصَلِّي عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ، فَإِنْ رَدَّ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ لَا سَهْوًا فَيَسْجُدُ الْفَذُّ وَالْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَكَثِيرِ كُلِّ سَهْوٍ.
١ -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْعَاطِسِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَالْمَرْأَةِ الْمَحْرَمِ أَوْ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمُتَجَالَّةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا تَمِيلُ إلَيْهَا النُّفُوسُ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ إذَا سَمِعَهَا الرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ تَعْطِسُ وَسَمِعَ حَمْدَهَا فَلَا يُشَمِّتُهَا كَمَا لَا يَرُدُّ سَلَامَهَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: هَدَاك اللَّهُ لِمَا وَرَدَ مِنْ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ يَعْطِسُونَ بِحَضْرَتِهِ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِلْكَافِرِ يَرْحَمُك اللَّهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُرْحَمُ إلَّا أَنْ يُؤْمِنَ.
١ -
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ حَمْدُهُ لِتَكَرُّرِ عُطَاسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ فَلَا يُشَمِّتُهُ وَيَقُولُ لَهُ: إنَّك مَضْنُوكٌ» أَيْ مَزْكُومٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وُجُوبُ تَشْمِيتِهِ وَلَوْ سَمِعَهُ فِي حَالِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ لِهَذَا الظَّاهِرِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ: لَمْ يَكْرَهْ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ