بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحُبُسِ وَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ وَالْغَصْبِ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ (الشُّفْعَةِ) الشُّفْعَةُ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَفَتْحُ الْعَيْنِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ ضِدُّ الْوَتْرِ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَضُمُّ مَا يَأْخُذُهُ إلَى حِصَّتِهِ فَتَصِيرُ شَفْعًا، وَالْآخِذُ بِالشُّفْعَةِ يُسَمَّى شَافِعًا وَشَفِيعًا وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخَذَ مَبِيعَ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ، أَيْ طَلَب الشَّرِيكُ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَ بِهِ سَوَاءٌ أَخَذَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ، وَالشُّفْعَةُ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَعَدَمِهِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْآخِذُ بِالْمَدِّ وَهُوَ الشَّافِعُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَالشَّيْءُ الْمَأْخُوذُ وَهُوَ الشِّقْصُ الْمُبْتَاعُ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ وَالثَّمَنُ أَوْ قِيمَةُ الشِّقْصِ إذَا أَخَذَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ فِي صَدَاقٍ.
(وَ) الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ (الْهِبَةِ) وَهِيَ مَصْدَرُ وَهَبَ هِبَةً وَوَهْبًا بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَبِفَتْحِهَا، وَاسْمُ مَصْدَرِ وَهَبَ الْمُوهِبُ وَالْمَوْهِبَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ فِيهِمَا، وَالْإِيهَابُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُهَا وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: هِبَةُ ثَوَابٍ وَهِبَةٌ لِمُجَرَّدِ وَجْهِ الْمُعْطِي، فَهِبَةُ الثَّوَابِ عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ، وَغَيْرُهَا الْعَطِيَّةُ لِمُجَرَّدِ ذَاتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَتَخْرُجُ الصَّدَقَةُ فَإِنَّهَا الْعَطِيَّةُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْعَارِيَّةُ وَالْوَقْفُ وَالْعُمْرَى فَإِنَّ الذَّاتَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَالْمَدْفُوعُ لِلْغَيْرِ إنَّمَا هُوَ الْمَنْفَعَةُ.
(وَ) الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ (الصَّدَقَةِ) اسْمُ مَصْدَرٍ لِتَصَدَّقَ، وَمَصْدَرُهُ التَّصَدُّقُ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ لَهُ مَعَ وَجْهِ الْمُعْطِي عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ.
(وَ) الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ (الْحُبُسِ) وَيُرَادِفُهُ الْوَقْفُ وَحْدَهُ، ابْنُ عَرَفَةَ مُصَدِّرًا بِقَوْلِهِ: إعْطَاءُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا، وَاسْمًا بِقَوْلِهِ: مَا أَعْطَيْت مَنْفَعَةً مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا فَخَرَجَ عَطِيَّةُ الذَّاتِ فَإِنَّهَا إمَّا هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَقْدِيرًا إلَى صِحَّةِ وَقْفِ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ عَلَى تَقْدِيرِ مِلْكِهِ كَقَوْلِهِ: إنْ مَلَكْت هَذَا فَهُوَ وَقْفٌ، كَمَا يَصِحُّ الْمُعْتِقُ كَذَلِكَ، وَإِلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَحْوُ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى مَنْ سَيُحَدِّثُهُ اللَّهُ لِزَيْدٍ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: الْوَاقِفُ، وَالْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةُ، فَعَاقِدُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةُ وَالْحُبُسُ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا مَالِكًا لِمَا تَبَرَّعَ بِهِ، فَيَدْخُلُ الْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ فِي الثُّلُثِ، فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ زَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ.
(وَ) الْبَابُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ (الرَّهْنِ) مَصْدَرُ رَهَنَ الشَّيْءَ رَهْنًا وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَالْحُبُسُ، وَشَرْعًا مَالٌ قُبِضَ مُوثَقًا بِهِ فِي دَيْنٍ وَيَدْخُلُ فِي الْمَالِ أَذْكَارُ الْحُقُوقِ.
(وَ) الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَحْكَامِ (الْعَارِيَّةِ) اسْمُ مَصْدَرِ أَعَارَ وَالْمَصْدَرُ الْإِعَارَةُ وَالْعَارِيَّةُ مُشَدَّدَةُ الْيَاءِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةً لِلْعَارِ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ، وَهِيَ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ، وَبِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ مَالُ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ أُعْطِيت مَنْفَعَتُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ دُخُولِ الْوَقْفِ الْمُؤَقَّتِ بِمُدَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ تَأْيِيدِ الْوَقْفِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّعْرِيفِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ.
(وَ) الْبَابُ السَّابِعُ فِي أَحْكَامِ (الْوَدِيعَةِ) مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ وَهِيَ لُغَةً الْأَمَانَةُ، وَشَرْعًا تَوْكِيلٌ عَلَى حِفْظِ مَالٍ.
(وَ) الْبَابُ الثَّامِنُ فِي أَحْكَامِ (اللُّقَطَةِ) وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَا يَلْتَقِطُهُ، وَالِالْتِقَاطُ أَحَدُ الشَّيْءِ عِنْدَ وُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ. (وَ) الْبَابُ التَّاسِعُ فِي أَحْكَامِ (الْغَصْبِ) مَصْدَرُ غَصَبَ الشَّيْءَ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَخْذُ مَالِ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا لِخَوْفِ قِتَالٍ فَيَخْرُجُ الْأَخْذُ غِيلَةً لِأَنَّهُ بِمَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَيَخْرُجُ التَّعَدِّي لِأَنَّهُ أَخْذُ الْمَنَافِعِ، وَيَخْرُجُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَكَوْنِ الْأَخْذِ بِالْمَدِّ لَهُ مَالٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ يَجْحَدُهُ، كَمَا تَخْرُجُ السَّرِقَةُ لِأَنَّهَا لَا قَهْرَ مَعَهَا لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ خُفْيَةً، وَمِثْلُهَا الْمَأْخُوذُ عَلَى وَجْهِ الْخِيَانَةِ وَالِاخْتِلَاسِ وَإِنْ شَارَكَتْ الْغَصْبَ فِي الْحُرْمَةِ، وَهَذَا آخِرُ الْأَبْوَابِ الَّتِي تَرْجَمَ لَهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ مَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَرْجَمِ لَهُ مَحْمُودَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي آيَةِ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: ١٧] وَفِي السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: «الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .