للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْمُشَاعِ وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ وَلَا لِجَارٍ.

وَلَا فِي طَرِيقٍ وَلَا عَرْصَةَ دَارٍ قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا.

وَلَا فِي فَحْلِ نَخْلٍ أَوْ بِئْرٍ إذَا قُسِمَتْ النَّخْلُ أَوْ الْأَرْضُ.

وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ.

وَلَا شُفْعَةَ

ــ

[الفواكه الدواني]

ثُمَّ شَرَعَ فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ عَلَى التَّفْصِيلِ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ) وَهِيَ كَمَا تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ (فِي) مَبِيعِ الشَّرِيكِ (الْمُشَاعِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَمَيِّزِ عَلَى حِدَةٍ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ مُحْتَرِزَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا) أَيْ مَبِيعٍ (قَدْ قُسِمَ) قَبْلَ بَيْعِهِ (وَلَا لِجَارٍ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ أَثْبَتَهَا لِلْجَارِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الشُّيُوعَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الَّذِي يَحْصُلُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِيمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ الْعَقَارُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ نَحْوِ حَيَوَانِ الْحَائِطِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا ضَرَرَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّائِعِ بِالْأَجْزَاءِ الْمَسْمُومَةِ وَالْجَارُ تَنَاوَلَ الشَّائِعَ لِلِاشْتِرَاكِ بِأَذْرُعٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ الشُّفْعَةُ مَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَلِذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ مُرْسَلًا: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يَنْقَسِمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» . مَالِكٌ: ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا: وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، لِأَنَّ ضَرْبَ الْحُدُودِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَقَارِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِجَارٍ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقِبِهِ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ جَارِهِ أَوْ بِالْأَرْضِ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْجَارُ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ» وَيَنْتَظِرُ بِهَا ثَلَاثًا إنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا مُجَابٌ عَنْهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ بِمَعُونَتِهِ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الصَّقَبَ الْقَرِيبُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَرْضِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنَّا نَمْنَعُ صِحَّتَهُ سَلَّمْنَاهَا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَرْضِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: يَنْتَظِرُ بِهَا ثَلَاثًا، وَالشَّفِيعُ الْغَائِبُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالثَّلَاثِ، عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَارِ.

(وَلَا) شُفْعَةَ أَيْضًا (فِي طَرِيقٍ) قُسِمَ مَتْبُوعُهَا (وَلَا) فِي (عَرْصَةِ دَارٍ قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا) وَالْمَعْنَى: أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ قَوْمٍ إذَا اقْتَسَمُوهَا وَتَرَكُوا الطَّرِيقَ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَبَاعَ أَحَدُهُمْ مَا يَخُصُّهُ فِيهَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْبَاقِينَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَوْ أَمْكَنَ قَسْمُهُ، سَوَاءٌ بَاعَ حِصَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ وَجَدَهَا أَوْ مَعَ مَا نَابَهُ مِنْ الدَّارِ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى بُيُوتٍ وَعَرْصَةٍ، وَإِذَا قُسِمَتْ الْبُيُوتُ وَتُرِكَتْ الْعَرْصَةُ مُشْتَرَكَةً وَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَتْبُوعِهَا مِنْ الْبُيُوتِ لَا شُفْعَةَ فِيهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ مَتْبُوعُ الطَّرِيقِ وَالْعَرْصَةُ، قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي، وَالْعَرْصَةُ هِيَ السَّاحَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْبِنَاءِ تُجْمَعُ عَلَى عَرَصَاتٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَتَعَرَّصُونَ فِيهَا أَيْ يَتَفَسَّحُونَ.

(وَلَا) شُفْعَةَ أَيْضًا (فِي فَحْلِ نَخْلٍ) أَيْ وَكَذَا لَا شُفْعَةَ فِي (بِئْرٍ إذْ قُسِمَتْ النَّخْلُ) رَاجِعٌ لِلْفَحْلِ (أَوْ الْأَرْضُ) رَاجِعٌ لِلْبِئْرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ النَّخْلَ الْمُشْتَرَكَ إذَا قُسِمَتْ إنَاثُهُ وَبَقِيَ الْفَحْلُ عَلَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِبَقِيَّةِ شُرَكَائِهِ وَلَوْ مَعَ نَصِيبِهِ مِنْ الْإِنَاثِ، وَكَذَا إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ عَلَى الْبِئْرِ وَبَقِيَتْ الْبِئْرُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهَا لَا شُفْعَةَ لِشُرَكَائِهِ فِيهَا لِقَسْمِ مَتْبُوعِهَا وَهُوَ الْأَرْضُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْبِئْرِ إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ ظَاهِرُهُ اتَّحَدَتْ الْبِئْرُ أَوْ تَعَدَّدَتْ وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْقَسْمَ بِمَنْعِ الشُّفْعَةِ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: ثَابِتَةٌ، وَاخْتَلَفَ هَلْ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ؟ وَعَلَيْهِ الْبَاجِيُّ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْوِفَاقِ، فَحَمَلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْبِئْرِ الْمُتَّحِدَةِ، وَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْآبَارِ الْمُتَعَدِّدَةِ، أَوْ تُحْمَلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى بِئْرٍ لَا فِنَاءَ لَهَا، وَالْعُتْبِيَّةُ عَلَى بِئْرٍ لَهَا فِنَاءٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكَبِئْرٍ لَمْ تُقْسَمُ أَرْضُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَأُوِّلَتْ أَيْضًا بِالْمُتَّحِدَةِ.

ثُمَّ بَيَّنَ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَقَاثِي.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُتَّصِلِ بِالْأَرْضِ مِنْ الْبِنَاءِ، فَظَاهِرُهُ شُمُولُ مَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: عَقَارًا وَلَوْ مُنَاقَلًا بِهِ إنْ انْقَسَمَ وَفِيهَا الْإِطْلَاقُ، وَعَمِلَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ فِي نَحْوِ الْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ الشُّفْعَةِ هَلْ هُوَ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ أَوْ ضَرَرُ الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبهَا الْبَعْضُ وَأَبَى غَيْرُهُ؟ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَثْبَتَهَا فِي الْجَمِيعِ، وَمَنْ قَالَ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ مَنَعَهَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، إذْ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ لَهَا مِنْ طَلَبِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ أَوْ مَعَ الْإِمْكَانِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ فَسَادُ الْمَقْسُومِ.

الثَّانِي: أَشَرْنَا بِقَوْلِنَا: وَنَحْوِهِمَا مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَقَاثِي إلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ، سَوَاءٌ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا أَوْ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا قَبْلِي مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>