دِينَارٍ.
وَلِلْأَبِ إنْكَاحُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَإِنْ بَلَغَتْ وَإِنْ شَاءَ شَاوَرَهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فِي الْبِكْرِ وَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الزَّوْجِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدِئُ بِلَفْظٍ نَحْوِ الْهِبَةِ الزَّوْجَ فَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُبْتَدِئَ إنْ نَطَقَ بِالْإِنْكَاحِ أَوْ الزَّوَاجِ صَحَّتْ الْإِشَارَةُ مِنْ غَيْرِهِ زَوْجًا أَوْ وَلِيًّا إنْ نَطَقَ الْمُبْتَدِئُ بِنَحْوِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بُنِيَ عَلَى كَوْنِ الْمُبْتَدِئِ الْوَلِيَّ، فَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ تَكْفِيَ الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَيْضًا.
قَالَ جَمِيعَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِنَحْوِ الْهِبَةِ الزَّوْجَ لَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الْوَلِيِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَقَوْلُهُ وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ فَيَجُوزُ الْإِشَارَةُ مِنْهُ وَلَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، يَقْضِي أَنَّ الْقَادِرَ لَا تَجُوزُ الْإِشَارَةُ مِنْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَوْرِيَّةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ الْخُطْبَةِ لِيَسَارَتِهِمَا، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيَلْزَمُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ بَعْدَ رِضَا الْآخَرِ: لَا أَرْضَى أَنَا كُنْت هَازِلًا لِأَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ جَدٌّ وَلَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْهَزْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِمُسَاوَمَةِ السِّلَعِ لِمُجَرَّدِ اخْتِبَارِ ثَمَنِهَا، وَمِثْلُ النِّكَاحِ الطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْعِتْقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، رَاجِعْ شَرْحَ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى خَلِيلٍ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ أُرِدْ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا كُنْت هَازِلًا، وَظَهَرَ لَنَا جَوَازُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ صِحَّةَ النِّكَاحِ عَلَى وُجُوبِ الصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَسَلَّمَ لَنَا شُيُوخُنَا هَذَا الِاسْتِظْهَارَ حِينَ صَدَرَ الْبَحْثُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ فِي مَرَضِهِ: إنْ مِتّ فَقَدْ زَوَّجْت ابْنَتِي فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِ خَلِيلٍ وَصَحَّ: إنْ مِتّ فَقَدْ زَوَّجْت ابْنَتِي بِمَرَضٍ، وَهَلْ إنْ قِيلَ بِقُرْبِ مَوْتِهِ تَأْوِيلَانِ، فَنَصَّ أَصْبَغُ عَلَى جَوَازِهَا سَوَاءٌ طَالَ زَمَانُ الْمَرَضِ أَوْ قَصُرَ، وَخُرُوجُهَا عَنْ الْأَصْلِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا السَّيِّدُ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ لِأَمَتِهِ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي فَقَدْ زَوَّجْت أَمَتِي مِنْ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ النِّكَاحِ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ يَنْبَغِي الْإِحَاطَةُ بِعِلْمِ أَحْكَامِهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَنْ ثَانِي الْأَرْكَانِ وَهُوَ الصَّدَاقُ بِقَوْلِهِ: (وَأَقَلُّ الصَّدَاقِ رُبُعُ دِينَارٍ) مِنْ خَالِصِ الذَّهَبِ وَهُوَ وَزْنُ ثَمَانَ عَشَرَةَ حَبَّةً مِنْ مُتَوَسِّطِ الشَّعِيرِ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَا حَدَّ لَهُ، وَالصَّدَاقُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مُشْتَقٌّ مِنْ الصِّدْقِ لِأَنَّ وُجُودَهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الزَّوْجَيْنِ، وَيُقَالُ لَهُ الْمَهْرُ وَالطَّوْلُ وَالنِّحْلَةُ، وَلَمْ أَرَ حَدَّهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ خَلِيلٌ: الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ مُتَمَوَّلٌ يُمَلَّكُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لِمُحَقَّقَةِ الْأُنُوثَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ نِكَاحُهَا عِنْدَ إرَادَةِ نِكَاحِهَا، فَقَوْلُنَا: مُتَمَوَّلٌ جِنْسٌ يَشْمَلُ الذَّوَاتِ وَالْمَنَافِعَ، وَيَخْرُجُ بِهِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْقِصَاصِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا صَدَاقًا، وَقَوْلُنَا: يُمَلَّكُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا يُدْخِلُ نَحْوَ هِبَةِ أَبِيهَا لِفُلَانٍ أَوْ عِتْقِهِ عَنْهُ أَوْ عَنْهَا، لِأَنَّ الشَّارِعَ يُقَدَّرُ دُخُولَهُ فِي مَلَكَتِهَا قَبْلَ هِبَتِهِ أَوْ قَبْلَ عِتْقِهِ، وَقَوْلُنَا: لِمُحَقَّقَةِ الْأُنُوثَةِ لِإِخْرَاجِ الْأُنْثَى الْمُشْكِلِ لِأَنَّهُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ، وَقَوْلُنَا: مِمَّنْ يَجُوزُ نِكَاحُهَا دُونَ آدَمِيَّةٍ لِيَشْمَلَ الْجِنِّيَّةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا لِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي جَوَابِ سَائِلِهِ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الدِّينِ، وَاعْتَمَدَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كَوْنِ أَقَلِّهِ رُبُعَ دِينَارٍ عَلَى أَنَّهُ عِوَضٌ قِيَاسًا عَلَى إبَاحَةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، فَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّهِ فَسَدَ إنْ لَمْ يُتِمَّهُ، وَيُفْسَخُ إنْ أَرَادَ الدُّخُولَ قَبْلَ إتْمَامِهِ، فَإِنْ أَتَمَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا فَسَادَ، وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ إتْمَامِهِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَزِمَهُ إتْمَامُ الرُّبُعِ دِينَارٍ، وَكَانَ الْقِيَاسُ لُزُومَ صَدَاقِ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ، فَخَرَجَتْ هَذِهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ فِي الْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي الْفَسَادِ لَوْ عَقَدَ عَلَى إسْقَاطِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ بِمَا لَا يُقْبَلُ شَرْعًا كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ، فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ تَمَلُّكُهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِالْبَيْعِ، وَالصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ أَجَازُوا فِيهِ الْغَرَرَ الْخَفِيفَ، كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى شُورَتِهَا أَوْ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا أَوْ عَلَى عَدَدٍ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ، وَلَوْ لَمْ يُوصَفْ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ مَشُورَةِ مِثْلِهَا فِي الْحَاضِرَةِ أَوْ فِي الْمِصْرِ، وَالْمُرَادُ بِشُورَتِهَا جِهَازُهَا وَمَتَاعُ بَيْتِهَا، وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ بِاعْتِبَارِ رَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا، لِأَنَّ صَدَاقَ الْمِثْلِ مَا يَرْغَبُ بِهِ الزَّوْجُ فِي الزَّوْجَةِ بِاعْتِبَارِ دِينِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَبَلَدِهَا، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ أَقَلَّ الصَّدَاقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَكْثَرَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْإِفْرَاطَ فِي كَثْرَةِ الصَّدَاقِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَسْهِيلُ أَمْرِهَا وَقِلَّةُ صَدَاقِهَا» قَالَ عُرْوَةُ: وَأَنَا أَقُولُ عِنْدِي وَمِنْ شُؤْمِهَا تَعْسِيرُ أَمْرِهَا وَكَثْرَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute