وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى بِغَيْرِ تَعَمُّدِ حَرَجٍ وَلَا فِي النَّظَرِ إلَى الْمُتَجَالَّةِ وَلَا فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا وَشَبَهِهِ وَقَدْ أُرْخِصَ فِي ذَلِكَ لِلْخَاطِبِ.
وَمِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْفَحْشَاءِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ،
ــ
[الفواكه الدواني]
ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ السَّخَاوِيُّ.
قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ دَلَّ عَلَى مَحْظُورٍ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الِانْكِفَافِ يَعْنِي احْتِيَاطًا، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُؤَيِّدُهُ.
قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ. وَقَوْلُنَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُخَاطَبُ بِالْفَرْضِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ مُخَالَطَةَ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُكَلَّفِ مُخَالَطَتُهُ لِئَلَّا يَتَطَبَّعَ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ ذَرِيعَةً لِلْفَسَادِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي زَمَانِنَا. وَمِنْ أَقْبَحِ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَلِيِّ إلْبَاسُ ابْنِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ الصَّغِيرِ الْحَسَنِ الصُّورَةِ الثِّيَابَ الْجَمِيلَةَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحِلْيَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَعَلُّقِ نَفْسِ الْفَاسِقِ بِهِ، بَلْ لَا تَبْعُدُ حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ النَّظَرِ مُخْتَصَّةً بِحَالَةِ الْعَمْدِ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ قَالَ: (وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى) إلَى مَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ (بِغَيْرِ تَعَمُّدِ) الْتِذَاذٍ أَوْ نَحْوِ انْتِقَاصٍ (حَرَجٌ) أَيْ إثْمٌ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى وَجْهِ جَمِيلٍ أَوْ جَمِيلَةٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَغَضَّهُ سَرِيعًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ النَّظَرَ لِلِالْتِذَاذِ أَوْ أَدَامَهُ مَعَ قَصْدِهِ لَا إثْمَ لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ النَّظَرُ بِمُجَرَّدِهِ، لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مِنْ أَنَّ وَجْهَ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي حَالَةٍ خَاصَّةٍ وَذَلِكَ عِنْدَ قَصْدِ الِالْتِذَاذِ أَوْ خَشْيَةِ الِافْتِتَانِ. (وَلَا) حَرَجَ أَيْضًا (فِي النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمُتَجَالَّةِ) وَهِيَ الَّتِي لَا تَمِيلُ إلَيْهَا نَفْسُ النَّاظِرِ، وَأَمَّا لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا مَنْ يَلْتَذُّ بِهَا فَيَنْزِلُ عَلَى النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ. (وَلَا) حَرَجَ أَيْضًا (فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ لِعُذْرٍ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا) فِي مُعَامَلَةٍ أَوْ نِكَاحٍ (وَشَبَهِهِ) أَيْ الْعُذْرُ كَالطَّبِيبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلٍّ النَّظَرُ إلَيْهَا، لَكِنَّ الشَّاهِدَ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا عَلَى مِنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ لِيُسَجِّلَ مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ، وَلَا عَلَى مُتَنَقِّبَةٍ لِتَتَعَيَّرَ لِلْأَدَاءِ، وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ النَّظَرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَلَوْ لَزِمَ عَلَى ذَلِكَ تَأَمُّلُ جَمِيعِ صِفَاتِهَا لِأَنَّ النَّظَرَ مُتَمَحِّضٌ لِلشَّهَادَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَطْلُوبُ الطَّبِيبِ فِي عَوْرَتِهَا فَإِنَّهُ يَبْقُرُ الثَّوْبَ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَأْلُومِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ الطَّبِيبُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ بِفَرْجِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَيَنْبَغِي أَوْ يَتَعَيَّنُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الطَّبِيبُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَّا بِرُؤْيَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الطَّبِيبُ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ وَيَصِفْنَهُ لَهُ فَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِجَوَازِ رُؤْيَةِ الرَّجُلِ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ عُيُوبِ الزَّوْجَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي نَحْوِ ظَهْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ فَرْجِهَا فَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ وَلَا تَحِلُّ رُؤْيَةُ الرِّجَالِ لَهُ وَلَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِفَرْجِهَا فَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي نَفْيِهِ إلَّا أَنْ تُمَكِّنَ النِّسَاءَ مِنْ رُؤْيَةِ فَرْجِهَا فَتُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ خَلِيلٍ: وَإِنْ أَتَى بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ لَهُ قُبِلَتَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَالِ وَأَنَّ الطَّبِيبَ لَيْسَ كَالشَّاهِدِ لِضَرُورَةِ نَظَرِ الطَّبِيبِ دُونَ الشَّاهِدِ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ رُؤْيَةَ وَجْهِ الشَّابَّةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ الْحَرَجُ أَيْ الْإِثْمُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لِغَيْرِ قَصْدِ اللَّذَّةِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ نَظَرَ وَجْهِ الشَّابَّةِ مَظِنَّةٌ لِلِالْتِذَاذِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا حَرَجَ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِالْتِذَاذِ، لِأَنَّ الْقَلْشَانِيَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَكْشُوفًا بِغَيْرِ لَذَّةٍ جَائِزٌ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عِيسَى الْغُبْرِينِيِّ عَنْ ابْنِ نَاجِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَجَائِزٌ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَعْرِ الْمَرْأَةِ وَوَجْهِهَا أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ أَنْكَرَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَأَفْهَمَ تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ الْعُذْرَ بِالشَّاهِدِ وَالطَّبِيبِ أَنَّ التَّعْلِيمَ لَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ، فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الشَّابَّةِ عِنْدَ تَعْلِيمِ عِلْمٍ أَوْ قُرْآنٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَرَا عَنْ قَصْدِ اللَّذَّةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ لِأَنَّ مُدَاوَمَةَ النَّظَرِ يَنْشَأُ عَنْهَا الِالْتِذَاذُ غَالِبًا، بِخِلَافِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الذَّكَرِ فَيَجُوزُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَخْشَ الْمُعَلِّمُ بِإِدَامَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ الِافْتِتَانَ بِهِ، وَإِلَّا حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.
الثَّالِثُ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ يُخْشَى مِنْ رُؤْيَتِهَا الْفِتْنَةُ وَجَبَ عَلَيْهَا سَتْرُ جَمِيعِ جَسَدِهَا حَتَّى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُخْشَ مِنْ رُؤْيَتِهَا ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ مَا عَدَا وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، وَلِمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ، وَعَلَى الرَّجُلِ غَضُّ بَصَرِهِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِمْ. وَأَقُولُ: الَّذِي يَقْتَضِيه الشَّرْعُ وُجُوبَ سَتْرِهَا وَجْهَهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، لَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا تُعُورِفَ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ الْفَاسِدِ أَنَّ كَشَفَ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا يُؤَدِّي إلَى تَطَرُّقِ الْأَلْسِنَةِ إلَى قَذْفِهَا، وَحِفْظُ الْأَعْرَاضِ وَاجِبٌ كَحِفْظِ الْأَدْيَانِ وَالْأَنْسَابِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ. (وَقَدْ أُرْخِصَ) أَيْ سُومِحَ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الشَّابَّةِ وَكَفَّيْهَا (لِلْخَاطِبِ) لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ قَصَدَ مُجَرَّدَ عِلْمِ صِفَتِهَا فَقَطْ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ نَظَرُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ بِعِلْمٍ وَيُكْرَهُ اسْتِغْفَالُهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: اُنْظُرْ