للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَدَّ الْهِبَةَ فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا.

وَذَلِكَ إذَا كَانَ يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ.

وَيُكْرَهُ أَنْ يَهَبَ لِبَعْضِ وَلَدِهِ مَالَهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَمِنْهَا مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِأَمَةٍ فَتَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ لِلضَّرُورَةِ وَيَسْتَقْصِي، بِخِلَافِ مَا تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهَا.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِوَجْهِ الْمُعْطِي شَرَعَ فِي الْهِبَةِ لِثَوَابِ الدُّنْيَا، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ فَقَالَ: (وَالْمَوْهُوبُ لِلْعِوَضِ) الْمُخَيَّرُ (إمَّا أَثَابَ الْقِيمَةَ) يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَلْزَمُ قَبُولُهَا. (أَوْ رَدَّ الْهِبَةَ) لِوَاهِبِهَا وَهَذَا التَّخْيِيرُ مَعَ عَدَمِ فَوَاتِ الذَّاتِ الْمَوْهُوبَةِ. (فَإِنْ فَاتَتْ) بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ بَلْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) جَبْرًا عَلَيْهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَ وَاهِبُهَا لَا الْمَوْهُوبُ الْقِيمَةَ إلَّا لِفَوَاتٍ يَزِيدُ أَوْ نَقَصَ.

ثُمَّ بَيَّنَ مَحَلَّ اسْتِحْقَاقِ الْوَاهِبِ الثَّوَابَ بِقَوْلِهِ: (وَذَلِكَ) أَيْ لُزُومُ الْقِيمَةِ لِلْوَاهِبِ بَعْدَ فَوَاتِ الْهِبَةِ مَشْرُوطٌ بِمَا (إذَا كَانَ) أَيْ الْحَالُ وَالشَّأْنُ (يُرَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ يُظَنُّ (أَنَّهُ أَرَادَ) أَيْ قَصَدَ الْهِبَةَ لِأَجْلِ (الثَّوَابِ) أَيْ الْعِوَضِ (مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، كَفَقِيرٍ يَدْفَعُ شَيْئًا لِغَنِيٍّ، بِخِلَافِ هِبَةِ الْغَنِيِّ لِفَقِيرٍ أَوْ صَالِحٍ أَوْ عَالِمٍ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي قَصْدِ الثَّوَابِ فِي هِبَتِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إذَا كَانَ يُرَى إلَخْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي قَصْدِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَصُدِّقَ وَاهِبٌ فِيهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ بِضِدِّهِ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ عَامٌّ وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِأَجْلِ عُرْسٍ أَوْ عِنْدَ قُدُومٍ مِنْ حَجٍّ، وَلِوَاهِبِ الثَّوَابِ طَلَبُ الثَّوَابِ وَلَوْ مُعَجَّلًا وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عُرْسٌ إلَّا لِعَادَةٍ، وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُحَاسِبَ الْوَاهِبَ بِمَا أَكَلَهُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عِنْدَ إحْضَارِ الْهِبَةِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْحُمُولَةِ، وَالتَّصْدِيقُ فِي إرَادَةِ الثَّوَابِ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا، وَقِيلَ الْيَمِينُ عِنْدَ إشْكَالِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ فَقَطْ أَوْ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا جَرَى الْعُرْفُ بِالثَّوَابِ يُعْمَلُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مَسْكُوكًا أَوْ كَانَ الْوَاهِبُ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَمَا فِي خَلِيلٍ حَيْثُ لَا عَادَةَ وَإِلَّا عَمِلَ بِهَا لِأَنَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ كَالشَّرْطِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ هِبَةِ الثَّوَابِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ كَالْبَيْعِ لَا مَنْدُوبَةٌ، يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: ٣٩] فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: الرِّبَا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ عَطِيَّةً لِيُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا. وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَذَلِكَ أَنْ يُهْدِيَ هَدِيَّةً لِيُهْدَى لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَأَبَاحَهُ اللَّهُ لِسَائِرِ النَّاسِ، وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ إنَّمَا تَجُوزُ لِأُمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لَهُ لِآيَةِ: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] لِأَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ جَوَازِ قَبُولِهَا وَدَفْعِهَا بَلْ لَكُمْ حُكْمٌ.

الثَّانِي: فُهِمَ مِنْ جَوَازِ الْهِبَةِ لِقَصْدِ الثَّوَابِ جَوَازُ دَفْعِهَا مَعَ شَرْطِ الثَّوَابِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ وَلَزِمَ بِتَعْيِينِهِ حَيْثُ رَضِيَ بِهِ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ التَّعْيِينُ، وَقَوْلُهُمْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ حَيْثُ لَمْ تَفُتْ الْهِبَةُ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْوَاهِبُ الْقِيمَةَ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُعَيِّنْ الثَّوَابَ وَيَرْضَى بِهِ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعْيِينٌ وَإِلَّا صَارَ عَقْدُهَا لَازِمًا، وَقُضِيَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِدَفْعِهِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ هِبَةُ الثَّوَابِ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْعِوَضِ مَعَ أَنَّهَا كَالْبَيْعِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَهُوَ عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ.

الثَّالِثُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا مِنْهُ الثَّوَابُ وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَأُثِيبَ مَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ وَإِنْ مَعِيبًا حَيْثُ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْقِيمَةِ، فَيُثَابُ عَنْ الْعَرَضِ طَعَامًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا عَنْ غَيْرِ نَوْعِ الْمَوْهُوبِ، وَيُثَابُ عَنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثَابَ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةً وَلَا عَكْسَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَلَا عَنْ الْعَيْنِ مِنْ صِنْفِهَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ الْمُؤَجَّرِ، وَلَا عَنْ الْحَيَوَانِ لَحْمًا مِنْ جِنْسِهِ وَلَا عَكْسَهُ لِحُرْمَةِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ وَقَضَائِهِ عَنْهُ، وَيُثَابُ عَنْ الطَّعَامِ عَرْضًا أَوْ دَنَانِيرَ لَا طَعَامًا وَلَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ رِبَا النِّسَاءِ، وَمَا يَقَعُ فِي الْأَرْيَافِ بَيْنَ الْعَامَّةِ مِنْ رَدِّ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ فَحَرَامٌ، وَمِثْلُهُ قَضَاءُ الدَّرَاهِمِ عَنْ مِثْلِهَا أَوْ عَنْ الذَّهَبِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقَعَ قَضَاءُ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا بَلْ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ بَيْعٌ.

الرَّابِعُ: فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إمَّا أَثَابَ الْقِيمَةَ أَوْ رَدَّ الْهِبَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبُ لَهُ دَفْعَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ كَذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبُ قَبُولَ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِيمَا إذَا طَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِدَفْعِ أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمُهُ وَأَبَى الْوَاهِبُ مِنْ أَخْذِ أَزِيدَ مِنْ قِيمَةِ هِبَتِهِ، فَأَفْتَى الْقَابِسِيُّ بِجَبْرِ الْوَاهِبِ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ عَلَى قِيمَةِ هِبَتِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ كُلٌّ بِالطَّلَاقِ عَلَى نَقِيضِ مَا أَرَادَ صَاحِبُهُ لَقُضِيَ بِتَحْنِيثِ الْوَاهِبِ لِأَنَّ هِبَاتِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ، هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>