للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا بِالْمِيرَاثِ.

وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ.

وَلَا يَشْتَرِي مَا تَصَدَّقَ بِهِ.

وَالْمَوْهُوبُ لِلْعِوَضِ إمَّا أَثَابَ الْقِيمَةَ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

(وَأَمَّا) مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ (الْكَبِيرِ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهُ لَهُ) وَإِنَّمَا يَحُوزُ لِنَفْسِهِ حَيْثُ كَانَ رَشِيدًا، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ كَالصَّغِيرِ يَحُوزُ لَهُ أَبُوهُ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ شَيْئًا وَاسْتَمَرَّ حَائِزًا لَهُ حَتَّى بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْهُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَأَمَّا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ حَائِزًا لَهُ، وَاخْتُلِفَ لَوْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَجَهِلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتَمَرَّ أَبُوهُ حَائِزًا حَتَّى مَاتَ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى السَّفَهِ فَلَا تَبْطُلُ أَوْ عَلَى الرُّشْدِ فَتَبْطُلُ؟ لِعَدَمِ حِيَازَتِهِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَوْلَانِ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلَدِ الذَّكَرِ الْحُرِّ، وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ فَيَحُوزُهُ لَهُ سَيِّدُهُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا وَلَا تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَإِنَّهُ يَحُوزُهُ لَهَا وَلَوْ بَلَغَتْ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَيُؤْنِسُ مِنْهَا الرُّشْدَ.

(لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ) الْمُرَادُ الْمُتَصَدِّقُ (فِي صَدَقَتِهِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ. (وَلَا) يَنْبَغِي أَنْ (تَرْجِعَ إلَيْهِ إلَّا بِالْمِيرَاثِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ، وَمَفْهُومُ الصَّدَقَةِ أَنَّ الْهِبَةَ لِوَجْهِ الْمُعْطَى لَهُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ، فَالتَّسَبُّبُ فِي تَمَلُّكِهَا مُنَافٍ لِقَصْدِ الْفَاعِلِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِي الْفَرَسِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ: لَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى النَّدْبِ، وَحَمَلَهُ الدَّاوُدِيُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ، وَحَمَلْنَا الرُّجُوعَ عَلَى اسْتِحْدَاثِ مِلْكِهَا بِسَبَبِ إشَارَةٍ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ إبْطَالَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ لِلُزُومِ سَائِرِ الْعَطَايَا سِوَى الْوَصِيَّةِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ إبْطَالُهَا إلَّا عَطِيَّةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ كَمَا مَرَّ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَدِّقُ شَرَطَ فِي عَقْدِ صَدَقَتِهِ الرُّجُوعَ وَإِلَّا عَمِلَ بِشَرْطِهِ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا مَعَ أَجْنَبِيٍّ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ وَقَفَ شَيْئًا وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ بَيْعَهُ إنْ شَاءَ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.

(تَنْبِيهٌ) أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ فِي صَدَقَتِهِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ كِسْرَةً لِسَائِلٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ذَهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا، وَجَمَعَ ابْنُ رُشْدٍ بَيْنَ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ بِحَمْلِ كَلَامِ غَيْرِ مَالِكٍ عَلَى مَا إذَا أَخْرَجَهَا لِمُعَيَّنٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِهِ أَوْ عَدَمِ قَبُولِهِ، وَحَمْلُ كَلَامِ مَالِكٍ عَلَى إخْرَاجِهَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الَّذِي يَأْخُذُهَا، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ كَالْمُنَاقِضِ لِمَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ) الْمُتَصَدِّقُ (مِنْ لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ) مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا كَالْمُنَاقِضِ لِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ شُرْبَ لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ رُجُوعٌ فِي صَدَقَتِهِ وَقَدْ قَالَ أَوَّلًا: وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ فِي صَدَقَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا بِمِيرَاثٍ، وَقَالَ خَلِيلٌ أَيْضًا: وَلَا يَرْكَبُهَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْ غَلَّتِهَا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا كَالْمُنَاقِضِ، وَالْجَوَابُ عَنْ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ بِحَمْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ، عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ وَلَوْ مَعَ رِضَاهُ أَوْ الرَّشِيدِ مَعَ عَدَمِ رِضَاهُ، وَحَمْلِ قَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ إلَخْ عَلَى شُرْبِهِ مِنْ لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ بِرِضَاهُ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَلَا يَرْكَبَهَا وَلَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ غَنَمٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا إذَا رَضِيَ الْوَلَدُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ. " مُحَمَّدٌ " وَهَذَا فِي الْوَلَدِ الْكَبِيرِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يَفْعَلُ، وَقَالَهُ مَالِكٌ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ قَوْلَهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ إلَخْ عَلَى مَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ وَنَحْوُهُ شَيْئًا يَسِيرًا بِحَيْثُ يَكُونُ ثَمَنُهُ تَافِهًا أَوْ كَثِيرًا وَرَضِيَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ الْمَالِكُ لِأَمْرِ نَفْسِهِ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى مَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ كَثِيرًا وَلَمْ يَرْضَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ الْمَالِكُ لِأَمْرِ نَفْسِهِ بِأَخْذِهِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يَفْتَقِرْ الْأَبُ وَإِلَّا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِمَّا يَصَّدَّقُ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَيُنْفِقُ عَلَى أَبٍ افْتَقَرَ مِنْهَا وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ، كَمَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ صَدَقَتِهِ وَإِنْ غَنِيَّةً لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ كَوُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا الزَّوْجُ مِمَّا تَصَدَّقَتْ بِهِ عَلَيْهِ.

الثَّانِي: الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ وَعَلَيْهِ ابْنُ نَاجِي أَنْ لَا بَأْسَ هُنَا لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَلَا يَشْتَرِي) الْمُتَصَدِّقُ (مَا تَصَدَّقَ بِهِ) فَهُوَ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ فِي صَدَقَتِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مِلْكَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ اخْتِيَارًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا بِالْمِيرَاثِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي الرُّجُوعِ.

(تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ فِي صَدَقَتِهِ اخْتِيَارًا أَشْيَاءُ مِنْهَا: الْعَرِيَّةُ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لِلْمُعْرِي شِرَاؤُهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ اشْتِرَاءُ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ إلَخْ، وَمِنْهَا مَنْ أَعْمَرَ شَخْصًا دَارِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعَمِّرِ بِالْكَسْرِ شِرَاؤُهَا، وَمِنْهَا مَنْ سَبَّلَ مَاءً عَلَى غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ، وَمَنْ أَخْرَجَ كِسْرَةً لِسَائِلٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجِدْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>