تَعْتَصِرْ وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ وَالَيْتُمْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ.
وَمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَحِيَازَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَسْكُنْ ذَلِكَ أَوْ يَلْبَسْهُ إنْ كَانَ ثَوْبًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ.
وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهُ لَهُ.
وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ فِي صَدَقَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
بَائِنًا عَنْ أَبِيهِ فَلَا تَعْتَصِرُهَا، وَقَوْلُنَا دَنِيَّةٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْجَدَّةَ لَا تَعْتَصِرُ كَالْجَدِّ كَمَا قَدَّمْنَا. (فَإِذَا مَاتَ) الْأَبُ (لَمْ تَعْتَصِرْ) الْأُمُّ مَا وَهَبَتْهُ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهَا غَنِيًّا لِأَنَّهُ صَارَ يَتِيمًا.
(وَ) الْأُمُّ (لَا تَعْتَصِرُ مِنْ يَتِيمٍ) وَهُوَ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ صَغِيرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ يُتْمِهِ أَوْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا تَعْتَصِرُ مِنْ ذَوِي الْأَبِ وَلَوْ تَيَتَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْ لِكَبِيرٍ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي وَهَبَتْهُ أُمُّهُ إنْ كَانَ بَالِغًا حِينَ الْهِبَةِ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى يَتِيمًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا حِينَ الْهِبَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ مَا دَامَ أَبُوهُ حَيًّا، وَأَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا حِينَ الْهِبَةِ وَلَا أَبَ لَهُ فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا وَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ الِاعْتِصَارِ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ الصَّغِيرَ ذَا الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَالصَّبِيُّ صَغِيرٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا لَهَا الِاعْتِصَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَمُقَابِلُهُ لِلَّخْمِيِّ، وَمَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ. ثُمَّ بَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي بِهَا يَكُونُ الْوَلَدُ يَتِيمًا بِقَوْلِهِ: (وَالْيُتْمُ) فِي الْآدَمِيِّ (مِنْ قِبَلِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةِ فَقْدِ (الْأَبِ) فَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ صَغِيرًا يَصِيرُ يَتِيمًا إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَلَا يُسَمَّى يَتِيمًا، وَأَمَّا مَنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَقَطْ فَلَا يُقَالُ لَهُ يَتِيمٌ، وَأَمَّا الْيَتِيمُ مِنْ الطَّيْرِ فَهُوَ مَنْ فَقَدَهُمَا مَعًا، وَأَمَّا فِي نَحْوِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهَا فَمِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ أَنَّ الْآدَمِيَّ إنَّمَا يُضَيَّعُ بِفَقْدِ أَبِيهِ غَالِبًا.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْهِبَةَ وَمَا مَعَهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ، بَيَّنَ هُنَا أَنَّ مَا سَبَقَ فِي غَيْرِ هِبَةِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا وَهَبَهُ) الْأَبُ الرَّشِيدُ (لِابْنِهِ الصَّغِيرِ) أَوْ السَّفِيهِ (فَحِيَازَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ) مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ عِنْدَ الْأَبِ إلَى أَنْ فَلِسَ أَوْ مَاتَ، لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لِمَحْجُورِهِ، وَقَيَّدْنَا الْأَبَ بِالرَّشِيدِ لِأَنَّ الْأَبَ السَّفِيهَ لَا يَحُوزُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَحُوزُ وَلِيُّهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِيَازَةَ الْوَلِيِّ لِمَحْجُورِهِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ لَهُ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِالْحِيَازَةِ لَهُ، وَثَانِي الشُّرُوطِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَسْكُنْ) الْأَبُ (ذَلِكَ) الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ إنْ كَانَ مِمَّا يُسْكَنُ كَدَارٍ أَوْ حَانُوتٍ. (أَوْ) إذَا لَمْ (يَلْبَسْهُ إنْ كَانَ ثَوْبًا) أَمَّا إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ دَارَ سُكْنَاهُ وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا بِجَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ اسْتَمَرَّ لَابِسًا لِمَا وَهَبَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُلْبَسُ حَتَّى حَصَلَ الْمَنَافِعُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا يَصِحُّ حَوْزُهُ لَهُ: وَدَارُ سُكْنَاهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا وَيُكْرَى لَهُ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ، وَالْأَكْثَرُ بَطَلَ الْجَمِيعُ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ دَارَ سُكْنَاهُ لِكِبَارِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا سَكَنَهُ فَقَطْ، وَيَصِحُّ مَا جَازَهُ الْوَلَدُ كَانَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا، وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ فِي ذَلِكَ. وَأَشَارَ إلَى ثَالِثِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَحُوزُ) الْأَبُ (لَهُ) أَيْ لِمَحْجُورِهِ (مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) كَدَارٍ أَوْ دَابَّةٍ، فَلَوْ وَهَبَ لَهُ مَالًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَحَازَهَا حَتَّى حَصَلَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ فَلَسٍ بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَلَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ شُهُودِهَا، بِخِلَافِ لَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا أَوْ وَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ فَلَا تَبْطُلُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ إلَّا لِمَحْجُورِهِ إلَّا مَا لَا يَعْرِفُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَحْجُورٍ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي، وَعِبَارَةُ خَلِيلٍ أَجْوَدُ لِشُمُولِهَا الْأَبَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْمَحْجُورَ الصَّبِيَّ وَغَيْرَهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: أَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ إلَخْ أَنَّ حِيَازَةَ الْأُمِّ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ لَا تَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةَ الْوَلَدِ أَوْ وَصِيَّةَ وَصِيِّهِ فَيَصِحُّ حَوْزُهَا لَهُ حِينَئِذٍ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ حِيَازَةِ الْأَبِ لِمَحْجُورِهِ وَلَوْ لَمْ يَصْرِفْ غَلَّةَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَالْوَقْفِ وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ خِلَافٍ، وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْغُبْرِينِيُّ وَالرَّصَّاعُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَوَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ عَدَمُ اعْتِبَارِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْحِيَازَةَ هُنَا تَصِحُّ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ يَصْرِفُ غَلَّةَ الْمَوْهُوبِ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَخَلِيلٌ فِي دَارِ السُّكْنَى مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ حَوْزِهَا مِنْ كِرَائِهَا بِاسْمِ الْمَحْجُورِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ صَرْفِ الْغَلَّةِ وَعَقْدِ الْكِرَاءِ.
الثَّالِثُ: كَمَا لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْوَلِيِّ لِمَحْجُورِهِ بِبَقَائِهَا تَحْتَ يَدِهِ إلَى مَوْتِهِ، كَذَلِكَ هِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا تَصِحُّ فِيهِ الْهِبَةُ: وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ يَدَهُ عَنْ هِبَتِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَمِثْلُ هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ هِبَةُ السَّيِّدِ لِأُمِّ وَلَدٍ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِهِ إلَى مَوْتِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ الْإِشْهَادُ عَلَى الْهِبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هِبَةَ الْوَلِيِّ لِمَحْجُورِهِ وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ خَلَا دَارِ السُّكْنَى أَوْ دَارِ سُكْنَى الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَالسَّيِّدِ لِأُمِّ وَلَدِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حِيَازَةٌ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَطَايَا لَا يُنَافِي تَمَامَهُ مِنْ الْحِيَازَةِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْمُعْطِي بِالْكَسْرِ.
ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ: