للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِصِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِفَقِيرِ كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ فِيهَا وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ.

وَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ مَا لَمْ يُنْكِحْ لِذَلِكَ أَوْ يُدَايَنْ أَوْ يُحْدِثُ فِي الْهِبَةِ حَدَثًا.

وَالْأُمُّ تَعْتَصِرُ مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ لَمْ

ــ

[الفواكه الدواني]

مَرَضُهُ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَتْ إنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ أَوْ وُهِبَتْ لِثَانٍ وَجَازَ أَوْ أَعْتَقَ الْوَاهِبُ أَوْ اسْتَوْلَدَ، وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ بُطْلَانُ الْهِبَةِ وَمَا مَعَهَا بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ وَلَوْ وُجِدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي حَوْزِهَا وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ مَا عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّهُ إنْ جَدَّ وَسَارَعَ فِي حَوْزِهَا فَمَاتَ لَمْ تَبْطُلْ وَلَفْظُهُ: وَصَحَّ إنْ قَبَضَ لِيَتَرَوَّى أَوْجَدَ فِي الْقَبْضِ أَوْ فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِ الْهِبَةِ عِنْدَ إنْكَارِ الْوَاهِبِ فَلَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ أَوْ فَلِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ فَلَا تَبْطُلُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِالْمُفْلِسِ إذَا خَاصَمَهُ الرَّجُلُ فِي عَيْنِ سِلْعَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُفْلِسُ أَنَّ رَبَّهَا أَحَقُّ بِهَا إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا لَهُ.

قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ لَهُ إيقَافُهَا إلَّا فِي الْبَيِّنَةِ الْقَرِيبَةِ مِثْلُ السَّاعَةِ، وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ الْبَعِيدَةُ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا إلَّا مَعَ شَاهِدٍ.

ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ بُطْلَانِ الْمَذْكُورَاتِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْحَوْزِ فِي غَيْرِ الْوَاقِعِ مِنْهَا فِي حَالِ الْمَرَضِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْهِبَةِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَطَايَا صَدَرَ مِنْ الْمُعْطِي (فِي) حَالِ (الْمَرَضِ) الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ (فَذَلِكَ) التَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْحُبُسِ فِي حَالِ الْمَرَضِ (نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَتَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ بِشَرْطٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ) الْإِعْطَاءُ (لِغَيْرِ وَارِثٍ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ بِالثُّلُثِ كَبُطْلَانِهَا لِغَيْرِهِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ الْبَاطِلَةَ كَانَتْ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ، وَقَيَّدْنَا الْمَرَضَ بِالْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْهُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ كَانَتْ لِوَارِثٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَا دَيْنٍ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ صَحِيحًا رَشِيدًا لَهُ التَّبَرُّعُ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَحَبَّ،

وَلَمَّا كَانَتْ الْعَطِيَّةُ تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا وَمَا هَذَا شَأْنُهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْهِبَةُ لِصِلَةِ الرَّحِمِ) وَهُوَ مَنْ يُحَرَّمُ نِكَاحُهُ وَلَوْ غَنِيًّا. (أَوْ لِفَقِيرٍ) أَوْ صَالِحٍ أَوْ يَتِيمٍ (كَالصَّدَقَةِ) فِي أَنَّهَا (لَا رُجُوعَ فِيهَا) لِأَنَّهَا لِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَلَا مَفْهُومَ لِلرَّحِمِ، بَلْ كُلُّ مَا يَكُونُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا رُجُوعَ فِيهِ وَلَوْ مِنْ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الرَّحِمَ لِتَنْبِيهٍ عَلَى أَنَّهُمْ أَوْلَى بِفِعْلِ الْمَعْرُوفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» أَيْ يُعْطِيهِمْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَلَا لِلْفَقِيرِ بِأَنْ تَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ غَنِيٍّ لَا تَكُونُ كَالصَّدَقَةِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَيُقْضَى بِهَا وَلَا يَحِلُّ الرُّجُوعُ فِيهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ» كَمَا يَأْتِي ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَلِذَا كَانَ الْأَوْلَى الْإِتْيَانَ بِالْفَاءِ فَقَالَ: (وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ) لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَكَذَلِكَ الْكَبِيرُ (فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ) فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا رُجُوعَ فِيهَا إلَّا لِشَرْطٍ.

وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الصَّدَقَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ) أَيْ لِلْأَبِ دَنِيَّةً (أَنْ يَعْتَصِرَ) أَيْ يَأْخُذَ قَهْرًا (مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ) لَا لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَلَا لِفَقْرِهِ وَلَا لِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ بَلْ وَهَبَهُ لِوَجْهِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ» .

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَعْتَصِرُ الْأَبَوَانِ مَا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى وَلَدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَطَايَا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهُ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَمَّا الْحُبُسُ فَهُوَ كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَيَعْمَلُ بِهِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْحُبُسِ، وَقَوْلُنَا دَنِيَّةً لِإِخْرَاجِ الْجَدِّ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ، وَمَحَلُّ رُجُوعِ الْأَبِ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ (مَا لَمْ يُنْكِحْ) الْوَلَدَ (لِذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ (أَوْ يُدَانُ) أَيْ يُعْطِي دَيْنًا لِأَجْلِهَا. (أَوْ يَحْدُثْ فِي الْهِبَةِ حَدَثٌ) أَيْ حَادِثٌ يُنْقِصُهَا فِي ذَاتِهَا أَوْ يَزِيدُهَا فَإِنَّهَا تَفُوتُ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ اعْتِصَارُهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ فَقَطْ، إلَى أَنْ قَالَ: إنْ لَمْ تَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ بَلْ يَزِيدُ أَوْ نَقَصَ، وَلَمْ يَنْكِحْ أَوْ يُدَايَنْ لَهَا أَوْ يَطَأْ ثَيِّبًا أَوْ يَمْرَضْ كَوَاهِبٍ إلَّا أَنْ يَهَبَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ، أَوْ يَزُولَ الْمَرَضُ أَوْ النَّقْصُ أَوْ يَرْجِعَ الزَّبَدُ فَإِنَّهُ يَعُودُ الِاعْتِصَارُ، وَلَا فَرْقَ فِي النَّقْصِ بَيْنَ الْحِسِّيِّ كَهُزَالِ الْحَيَوَانِ الَّذِي كَانَ سَمِينًا، وَالْمَعْنَوِيِّ كَنِسْيَانِ الْعَبْدِ صَنْعَتَهُ، وَكَذَا تَفُوتُ الْهِبَةُ الْمِثْلِيَّةُ بِخَلْطِهَا بِمِثْلِهَا.

(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لِذَلِكَ أَنَّ التَّدَايُنَ وَالْإِنْكَاحَ إنَّمَا يَكُونَانِ مُفَوِّتَيْنِ لِلِاعْتِصَارِ عِنْدَ قَصْدِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ، وَصَاحِبُ الْمَالِ فِي الدَّيْنِ أَنَّ النِّكَاحَ وَالدَّيْنَ لِخُصُوصِهَا، لَا إنْ لَمْ يَقْصِدَا ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً لَا يَنْكِحُ وَلَا يُدَايَنُ الشَّخْصُ لِأَجْلِهَا فَلَا يُفَوِّتَانِ الِاعْتِصَارَ، وَلَا إنْ قَصَدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِعَقْدِ نِكَاحِهِ أَوْ تَدَايُنِهِ تَفْوِيتَهَا دُونَ قَصْدِ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجَةِ أَوْ صَاحِبِ الدَّيْنِ.

(وَالْأُمُّ) دَنِيَّةٌ كَالْأَبِ لَهَا أَنْ (تَعْتَصِرَ) مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الَّذِي لَهُ أَبٌ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. (مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا) وَلَوْ مَجْنُونًا زَمَنَ الْهِبَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَصَدَتْ بِهِبَتِهَا صِلَةَ الرَّحِمِ أَوْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ، أَوْ يَكُونَ فَقِيرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>