للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ عَنْهُ فَهِيَ مِيرَاثٌ.

إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ.

وَالْهِبَةُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْقَبُولُ وَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَانِ إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ وَالْحِيَازَةُ شَرْطٌ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ خَوْفًا مِنْ قَوْلِ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ فِي مَرَضِهِ: ادْفَعُوا لِفُلَانٍ كَذَا فَإِنِّي كُنْت وَهَبْت لَهُ قَبْلَ مَرَضِي فَيُحْرَمُ الْوَارِثُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَقَوْلُنَا: قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ الْمُرَادُ بِهِ الْمَرَضُ وَالْمَوْتُ وَالْفَلَسُ وَالْجُنُونُ كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَقَوْلُنَا: فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ احْتِرَازًا عَنْ عَطِيَّةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ عَلَى يَتِيمٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا لِمَحْجُورِهِ إذَا شَهِدَ وَصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ فَتَصِحُّ الْعَطِيَّةُ لِهَؤُلَاءِ، وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ الْمُعْطِي إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ حَيْثُ وُجِدَتْ تِلْكَ الشُّرُوطُ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى التَّصْوِيرِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ بِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ قَبْلَ تَصْوِيرِهَا لِلطَّالِبِ وَهَذَا جَائِزٌ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى التَّصَوُّرِ.

الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ نَحْوِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحُكْمُ النَّدْبُ لِأَنَّهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ دَلَّتْ عَلَى نَدْبِهَا.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠] {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] وَ {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧١] الْآيَاتِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْضًا: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ» . وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَدْبِهَا، وَلَكِنْ يَتَأَكَّدُ نَدْبُهَا عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ وَكَوْنُهَا مِنْ أَنْفَسِ الْمَالِ.

الثَّالِثُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا لِأَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى لَهُ وَالشَّيْءُ الْمُعْطَى وَالصِّيغَةُ، فَأَمَّا الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَهَبَهُ، فَدَخَلَ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ فِي الثُّلُثِ، وَيَخْرُجُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَهُمَا فِي زَائِدِ الثُّلُثِ، وَأَمَّا الْمُعْطَى لَهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ لَهُ تَمَلُّكُ الْعَطِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَمِرَّ مِلْكُهُ فَتَدْخُلُ عَطِيَّةُ الرَّقِيقِ لِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ حَيْثُ عَلِمَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ أَوْ قَبِلَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ وَأَمَّا الشَّيْءُ الْمُعْطَى فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ فِي الْجُمْلَةِ، فَيَشْمَلُ كَلْبَ الصَّيْدِ وَجِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَشْيَاءَ الْمَجْهُولَةِ، وَيَخْرُجُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ وَالشُّفْعَةِ وَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْحُبُسِ فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ شَيْءٍ مِنْهَا. وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَهِيَ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُعْطَى لَهُ وَلَوْ فِعْلًا، كَدَفْعِ دِينَارٍ لِفَقِيرٍ، وَكَنِحْلَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ.

الرَّابِعُ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ إلَخْ أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ تَصِحُّ وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهَا، وَيَقْضِي عَلَى الْفَاعِلِ بِدَفْعِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهَا، وَلِلْمُعْطَى لَهُ أَنْ يَحُوزَهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ وَإِنَّمَا لَزِمَتْ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ وَقَعَتْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» حَيْثُ شَبَّهَ الرَّاجِعَ فِيهَا بِالْكَلْبِ وَالْمَرْجُوعَ فِيهِ بِالْقَيْءِ، وَذَلِكَ غَايَةُ التَّنْفِيرِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ.

الْخَامِسُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ إلَخْ يُوهِمُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مِثْلُهَا بَقِيَّةُ الْعَطَايَا كَالنِّحْلَةِ وَالْمِنْحَةِ وَالْعَرِيَّةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْإِسْكَانِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْإِرْفَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِخْدَامِ وَالصِّلَةِ وَالرَّهْنِ وَالْعُمْرَى وَالْإِحْبَاءِ فَلَا تَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: وَضَعَتْ الْعَرَبُ لِأَنْوَاعِ الْإِرْفَاقِ أَسْمَاءً مُخْتَلِفَةً، فَالْعَارِيَّةُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِعِوَضِ إجَارَةٍ، وَالرُّقْبَى إعْطَاءُ الْمَنْفَعَةِ لِمُدَّةٍ أَقْصَرُهُمَا عُمْرًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ، وَالْعُمْرَى تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ عُمْرِهِ فَهُمَا أَخَصُّ مِنْ الْعَارِيَّةِ، وَالْإِفْقَارُ عَارِيَّةُ الظَّهْرِ الْمَرْكُوبِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَقَارِهِ وَهُوَ عِظَامُ سِلْسِلَتِهِ، أَوْ لِإِسْكَانِ هِبَةِ مَنَافِعِ الدَّارِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَالْمِنْحَةُ هِبَةُ لَبَنِ الشَّاةِ، وَالْعَرِيَّةُ هِبَةُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَنْحُ وَالْعَطَاءُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ، انْتَهَى كَلَامُ الذَّخِيرَةِ. وَالنِّحْلَةُ مَصْدَرُ نَحَلْته أَعْطَيْته فَهِيَ الْعَطِيَّةُ، وَالْهَدِيَّةُ وَاحِدَةُ الْهَدَايَا وَالْمِهْدَى بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُهْدَى فِيهِ كَالطَّبَقِ وَنَحْوِهِ.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَلَا يُسَمَّى مِهْدَى إلَّا وَفِيهِ مَا يُهْدَى، وَالْإِرْفَاقُ النَّفْعُ يُقَالُ أَرْفَقْته نَفَعْته، وَالْمُرْفَقُ مِنْ الْإِرْفَاقِ مَا ارْتَفَقْت بِهِ أَيْ انْتَفَعْت بِهِ، وَالْعِدَةُ جَمْعُهَا عِدَاتٌ مَصْدَرُ وَعَدَ فَهِيَ الْوَعْدُ فَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ، وَالْإِخْدَامُ إعْطَاءُ خَادِمٍ غُلَامٍ أَوْ جَارِيَةٍ، وَالصِّلَةُ الْعَطِيَّةُ، وَالْحِبَاءُ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالْمَدِّ الْعَطَاءُ، وَالرَّهْنُ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ قَصْدًا لِنَفْعِ الطَّالِبِ لِعِزَّةِ بَيَانِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْحَوْزِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ) الْوَاهِبُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ الْمُحْبِسُ أَوْ الْمُعْمِرُ بِالْكَسْرِ أَوْ غَيْرُهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ عَطِيَّةٌ (قَبْلَ أَنْ تُحَازَ عَنْهُ) تِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ سِوَى عَطِيَّةِ الْوَلِيِّ لِمَحْجُورِهِ. (فَهِيَ مِيرَاثٌ) لِبُطْلَانِهَا بِالْمَوْتِ قَبْلَ تَمَامِهَا بِالْحَوْزِ، وَمِثْلُ مَوْتِ الْوَاهِبِ أَوْ الْوَاقِفِ إحَاطَةُ الدُّيُونِ بِمَالِهِ أَوْ جُنُونُهُ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>