للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي رَجُلٍ تَعَلَّمَ أَنْسَابَ النَّاسِ «عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ» وَقَالَ عُمَرُ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ فِيمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الْآبَاءِ

وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّ مَا رَأَى وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَسِّرَ الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا وَلَا يُعَبِّرُهَا

ــ

[الفواكه الدواني]

عُبِّيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ. (وَ) أَذْهَبَ عَنْكُمْ أَيْضًا (فَخْرَهَا بِالْآبَاءِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ التَّلَبُّسِ بِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْكِبْرِ وَالتَّجَبُّرِ، وَمِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَنْسَابِ وَالطِّيَرَةِ وَالنِّيَاحَةِ وَالِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ وَمِنْ الْفَخْرِ بِالْآبَاءِ لِأَنَّكُمْ مَا بَيْنَ (مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ) أَيْ مُمْتَثِلٍ لِلْمَأْمُورَاتِ مُجْتَنِبٍ لِلْمَنْهِيَّاتِ فَيَكُونُ مُرْتَفِعًا عِنْدَ اللَّهِ بِتَقْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسِيبًا. (أَوْ فَاجِرٍ) أَيْ كَافِرٍ (شَقِيٍّ) خَاسِرٍ بِعَدَمِ تَقْوَاهُ وَلَوْ كَانَ نَسِيبًا، فَالتَّفَاضُلُ بِالْآبَاءِ لَا يُكْسِبُ شَيْئًا، وَأَيْضًا (أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ) لِأَنَّهُ أَبُو الْبَشَرِ جَمِيعًا. (وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ) وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا فَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْفُرُوعِ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ فِي خِلَالِ الْخَيْرِ، وَأَيْضًا الْأَصْلُ مِنْ التُّرَابِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَرْجُلِ، فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ فَرْعُ مَنْ يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ مَعَ إهَانَةِ أَصْلِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الرَّبُّ وَاحِدٌ، وَالْأَبُ وَاحِدٌ، وَالْأُمُّ وَاحِدَةٌ، وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ، وَمَنْ أَسْرَعَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُبْطِئْ بِهِ نَسَبُهُ» وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَمَلُهُ السَّيِّئُ أَوْ تَفْرِيطُهُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ أَيْ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرَفُ نَسَبِهِ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ النَّسَبَ لَا يَنْفَعُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَأَيْضًا التَّفَاخُرُ يُؤَدِّي إلَى إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالتَّنَافُرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] وَلَمَّا أَفَادَ أَنَّ التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَتَى بِحَدِيثٍ لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ فَقَالَ: (وَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رَجُلٍ تَعَلَّمَ أَنْسَابَ النَّاسِ) بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ أَنَّ زَيْدًا ابْنَ عُمَرَ، وَعُمَرَ ابْنَ فُلَانٍ وَابْنَ فُلَانَةَ وَهَكَذَا، لِأَنَّ لَفْظَ رَجُلٍ عَامٌّ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ قَدْ تَعُمُّ نَحْوَ عَلِمَتْ نَفْسٌ وَمَقُولُ قَوْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ) أَيْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ. (وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ) مُرْتَكِبَهَا بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ الذَّمُّ وَالْإِثْمُ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِهِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي.

قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» بَلْ قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَإِذَا كَانَ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى عِلْمِ مَا يَخُصُّهُ فِي دِينِهِ فَاشْتِغَالُهُ بِهِ حَرَامٌ، وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفُهُ إذَا كَانَ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ فِعْلِ وَاجِبٍ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ ارْتِكَابُ مُحَرَّمٍ. وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ النَّفْعِ بِمَعْرِفَةِ الْأَنْسَابِ عُمُومُ ذَلِكَ لِنَسَبِ نَفْسِهِ رَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (تَعَلَّمُوا) وُجُوبًا (مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ) لِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يَتَوَصَّلُ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَالْمُرَادُ بِالرَّحِمِ الَّذِي تَجِبُ صِلَتُهُ كُلُّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ لَا خُصُوصُ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ، وَنَظَرَ ابْنُ نَاجِي قَائِلًا: وَانْظُرْ هَلْ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَنْسَابِهِ إلَى مُنْتَهَى أَجْدَادِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثَةِ أَجْدَادٍ وَنَحْوِهَا، وَأَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهُ مَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِزِيَارَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا كَثُرَتْ أَرْحَامُهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِلَةُ الْأَقْرَبِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَأْمُورُ بِمَعْرِفَتِهِ مِنْ النَّسَبِ مَا يَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ قَالَ: (وَقَالَ مَالِكٌ) الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَأَكْرَهُ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا قَالَهُ الشَّاذِلِيُّ، وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ (أَنْ يَرْفَعَ فِي النَّسَبِ فِيمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الْآبَاءِ) بَلْ إذَا وَصَلَ إلَى جَدٍّ كَافِرٍ أَمْسَكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا جَدٌّ، وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْهُ شَيْئًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصِلَهُ لِآيَةِ: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [المجادلة: ٢٢] إلَى قَوْلِهِ {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: ٢٢] وَأَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الرَّفْعِ فِي النَّسَبِ مِنْ التَّفَاخُرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْآبَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ بِالْكُفَّارِ، وَنَصُّوا هُنَا عَلَى أَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ مُقَدَّمٌ عَلَى شَرَفِ النَّسَبِ، فَالْعَالِمُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّرِيفِ الْجَاهِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ

وَأَعَادَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ فِيهِ جَمْعٌ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ هُنَا أَسْقَطَهُ وَأَعَادَ أَيْضًا قَوْلَهُ (وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ) أَوْ يَنْفُثْ أَيْ يَبْزُقُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ (عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ) بِاَللَّهِ (مِنْ شَرِّ مَا رَأَى) لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ يَحْرُمُ (أَنْ يُفَسِّرَ الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْكَذِبِ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مِنْ غَيْرِ الْعَالِمِ كَذِبٌ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِهَا بِأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أُصُولَ التَّعْبِيرِ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ وَأَشْعَارُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَفِرَاسَةٌ يَجُوزُ لَهَا حِينَئِذٍ تَعْبِيرُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْبِيرُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>