سَاعَةٍ
ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا دَمٌ أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً تَرَكَتْ الصَّلَاةَ ثُمَّ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ حَتَّى يَبْعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ مِثْلُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةٍ فَيَكُونُ حَيْضًا مُؤْتَنَفًا
، وَمَنْ تَمَادَى بِهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
نَوْمِهَا وَعِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ بِرُؤْيَتِهَا عِنْدَ النَّوْمِ تَعْرِفُ حُكْمَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَعِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ تَعْرِفُ حُكْمَ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَإِذَا رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ غُدْوَةً وَشَكَّتْ هَلْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ صَلَاةِ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ أَنَّهُ انْقَطَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يَبْقَى مَا يَسَعُ الطُّهْرَ وَجَمِيعَ الْأُولَى وَرَكْعَةً مِنْ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنْ تَصُومُ يَوْمَهَا إذَا كَانَ رَمَضَانَ وَتَقْضِيه، وَأَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَإِنْ كَانَتْ رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِحَيْثُ تُدْرِكَ الْغُسْلَ وَرَكْعَةً قَبْلَ الطُّلُوعِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا وَإِلَّا سَقَطَتْ، كَمَا لَوْ شَكَّتْ هَلْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحَيْثُ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الِانْقِطَاعِ فِي وَقْتِ نِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسُقُوطُ الصَّلَاةِ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ أَدَاءً وَقَضَاءً، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَدَاءً لَا قَضَاءً.
وَلَمَّا كَانَتْ الْحَائِضُ تُخَاطَبُ بِالْغُسْلِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا عَلَامَةَ الطُّهْرِ قَالَ: (رَأَتْهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَصَّةِ أَوْ الْجُفُوفِ (بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ سَاعَةٍ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَائِضَ مَتَى رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، سَوَاءٌ انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ نَازِلًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ سَاعَةً لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ مِنْهُ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِهِ فَحَدُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِمَنْ تَمَادَى بِهَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ فَلَهُ حَدٌّ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّهِ وَهُوَ الْقَطْرَةُ وَلَا حَدَّ لَهُ بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : هَذَا الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِدَّةِ فَيُرْجَعُ فِي أَقَلِّهِ لِلنِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ؟ وَلَا يُكْتَفَى فِي بَابِ الْعِدَّةِ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَطْرَةِ لِلْأَنْسَابِ بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا لِمَحْضِ حَقِّ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ تَقَطَّعَ حَيْضُهَا: (ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ عَادَتِهَا (دَمٌ) وَلَوْ قَطْرَةً (أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً تَرَكَتْ الصَّلَاةَ) وَالصَّوْمَ وَالطَّوَافَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَيْضٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَائِضَ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ طُهْرِهَا فَإِنَّهَا تَجْعَلُهُ حَيْضًا وَتَضُمُّهُ لِمَا قَبْلَهُ سَوَاءً، لِأَنَّ النَّازِلَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ دَمًا خَالِصًا أَوْ صُفْرَةً وَهُوَ الدَّمُ الَّذِي يُشْبِهُ الصَّدِيدَ وَتَعْلُوهُ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ الدَّمُ الْكُدْرِيُّ الَّذِي يُشْبِهُ غُسَالَةَ اللَّحْمِ، وَتَتْرُكُ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهَا حَائِضٌ حَقِيقَةً (ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا) مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ مُعَاوَدَتِهِ (اغْتَسَلَتْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَأْخِيرُ الْغُسْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ بِنَحْوِ أَمَارَةٍ أَنَّهُ يُعَاوِدُهَا فِي وَقْتِهَا الَّذِي رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّتِي عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ أَيَّامِ نُزُولِ الدَّمِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ فَهِيَ فِي حُكْمِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ) أَيْ الدَّمُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي عَاوَدَهَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ الطُّهْرِ تَكُونُ زَمَنَ الطُّهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ طَاهِرًا حَقِيقَةً يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ فَلَيْسَتْ أَيَّامُ الِانْقِطَاعِ (كَدَمٍ وَاحِدٍ) مُتَّصِلٍ (فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ) وَلَا نَظَرَ لِزَمَنِ الِانْقِطَاعِ بَلْ يَنْزِلُ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ فِي زَمَنِ نُزُولِ الدَّمِ، مِثَالُهُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ وَتَغْتَسِلُ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ يُعَاوِدُهَا الدَّمُ بِالْقُرْبِ فَيُجْبَرُ مُطَلِّقُهَا عَلَى رَجْعَتِهَا لِأَنَّهُ كَالْمُطَلِّقِ زَمَنَ سَيْلَانِ الدَّمِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ خَلِيلٌ فِي بَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَمَنَعَ فِيهِ وَوَقَعَ وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ وَلَوْ لِمُعَاوَدَةِ الدَّمِ لِمَا يُضَافُ فِيهِ لِلْأَوَّلِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ لِلْحَيْضِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ فَفِيهِ إشْكَالٌ عَوِيصٌ، لِأَنَّ الْأَمَةَ الْمُسْتَبْرَأَةَ أَوْ الْمُتَوَاضِعَةَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيهَا، وَإِذَا طَهُرَتْ الْمُسْتَبْرَأَةُ أَوْ الْمُتَوَاضِعَةُ وَلَوْ بَعْدَ يَوْمٍ حَلَّتْ لِمُشْتَرِيهَا، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ الثَّانِي كَجُزْءِ الْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لِمُشْتَرِيهَا بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْأَوَّلِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي السَّيِّدِ إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ حُصُولِ مَا يَكْفِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا حَتَّى يُعَاوِدَهَا وَيَمْضِيَ مَا هُوَ كَافٍ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْعَوِيصُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: عَوِصَ الْكَلَامُ اشْتَدَّ، وَالْعَوِيصُ مِنْ الشَّعْرِ مَا يَصْعُبُ، وَأَمَّا الْغَوِيصُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ النَّازِلُ يُقَالُ: غَاصَ فِي الْأَرْضِ نَزَلَ فِيهَا.
وَلَمَّا كَانَ جَعْلُ الدَّمِ الثَّانِي مِنْ جُمْلَةِ الْأَوَّلِ مَشْرُوطًا بِكَوْنِ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ مُضِيِّ طُهْرٍ قَالَ: (حَتَّى يَبْعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute