للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

النَّجَاسَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبَدَانِ سُنَّةٌ لَا فَرِيضَةٌ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَيْهِ فَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ عَمْدًا الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ وَالْعِشَاءَيْنِ لِلْفَجْرِ وَالصُّبْحَ لِلطُّلُوعِ وَالْجُمُعَةَ كَالظُّهْرَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ حَقِيقِيٌّ لِقَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ: لَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَبَدِيَّةِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ لَفْظِيٌّ، وَهَذَا مُحَصِّلُ قَوْلِ خَلِيلٍ: هَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ؟ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ. خِلَافٌ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا أَنَّ الْوُجُوبَ مُقَيَّدٌ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَطُّ عَنْ مَرْتَبَةِ السُّنِّيَّةِ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، لِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى تَرْكِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا وَمِنْ بَابِ أَوْلَى مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ.

الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ وَمِنْهُ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبُقْعَةِ، وَالثَّوْبُ لِلصَّلَاةِ وَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَمَا دَخَلَ فِي الْمَعِدَةِ طَاهِرًا فَلَا حُكْمَ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْهَا، وَأَمَّا مَا دَخَلَ فِيهَا غَيْرَ طَاهِرٍ فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ تقايئه مَعَ الْقُدْرَةِ وَالذِّكْرِ، وَإِلَّا أَعَادَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَبَدًا وُجُوبًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَنَدْبًا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ وَتُعَادُ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ شَامِلٌ لِمَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ مُخْتَارًا أَوْ مُضْطَرًّا، وَسَوَاءٌ تَابَ أَمْ لَا عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ.

الثَّالِثُ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ طَهَارَةِ الْبَدَنِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ خِلَافٌ، الْمَشْهُورُ مِنْهُ الِاسْتِحْبَابُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَعْرَقُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ وَسَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عِمْرَانَ: أَنَّهُ حَرَامٌ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ وَأَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ التَّضَمُّخُ بِهِ اتِّفَاقًا وَفِي غَيْرِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ بِقِسْمَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ فِي إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْهَا حَيْثُ إنَّهُ حَائِلٌ.

الرَّابِعُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّوْبِ مَحْمُولُ الْمُصَلِّي وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ مَنْ صَلَّى بِجَنْبِ مَنْ بِثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ غَيْرُ طَاهِرِ الثِّيَابِ يَتَّصِلُ بِأَبِيهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ حَمَلَ لَابِسَ الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ مِثْلُ أَنْ يَرْكَبَ الصَّغِيرُ أَبَاهُ أَوْ يَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَيَقُومُ بِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ لِحَمْلِهِ النَّجَاسَةَ، لِأَنَّ حَمْلَ ذِي الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ أَشَدُّ مِنْ سُقُوطِ ثِيَابِهِ دُونَ حَمْلِهِ.

١ -

وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةِ الْبُقْعَةِ لِلصَّلَاةِ نَاسَبَ ذِكْرَ الْأَمَاكِنِ السَّبْعَةِ الَّتِي يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُنْهَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ. (عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ) وَالْمَعَاطِنُ جَمْعُ مَعْطِنٍ وَهُوَ مَوْضِعُ بُرُوكِهَا عِنْدَ الْمَاءِ لِشُرْبِهَا عِلَلًا وَهُوَ الشُّرْبُ الثَّانِي بَعْدَ نَهَلٍ وَهُوَ الشُّرْبُ الْأَوَّلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّعَبُّدِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبِمَعْطِنِ إبِلٍ وَلَوْ أَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَوْ فَرَشَ شَيْئًا طَاهِرًا فِيهِ، وَعَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّعَبُّدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَوْضِعُ مَبِيتِهَا لَا عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِكَثْرَةِ إنْزَالِهَا فِيهِ فَنَكْرَهُ فِي مَبِيتِهَا بِالْأَوْلَى، وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَصَلَّى فَفِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا، وَثَانِيهِمَا يُعِيدُ النَّاسِي فِي الْوَقْتِ، وَالْجَاهِلُ وَالْعَامِدُ يُعِيدَانِ أَبَدًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ تَكُونُ فِيمَا يُعَادُ اسْتِحْبَابًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبِمَعْطِنِ الْإِبِلِ وَلَوْ أَمِنَ، وَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ، وَمَفْهُومُ الْإِبِلِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَائِزَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَجَازَتْ بِمَرْبِضِ بَقَرٍ وَغَنَمٍ.

(وَ) ثَانِيهَا الصَّلَاةُ فِي (مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ) وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّ الْمَحَجَّةُ هِيَ الطَّرِيقُ وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ حَيْثُ شُكَّ فِي إصَابَتِهَا بِأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا وَيُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا لَوْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهَا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ تَحَقَّقْت نَجَاسَتُهَا فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَتُعَادُ الصَّلَاةُ أَبَدًا مَعَ الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلِ وَمَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْعَجْزِ فِي الْوَقْتِ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ صَلَّى فِيهَا اخْتِيَارًا، وَأَمَّا اضْطِرَارًا لِضَيِّقِ الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَلَا كَرَاهَةَ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نَاجِي: كُلّ مَوْضِعٍ كُرِهَتْ فِيهِ الصَّلَاةُ لِغَلَبَةِ النَّجَاسَةِ حُكِمَ لَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.

(وَ) ثَالِثُهَا: الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى (ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ) أَيْ الْكَعْبَةِ لَكِنَّ النَّهْيَ هُنَا لِلتَّحْرِيمِ وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا وَتُعَادُ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ قِطْعَةٌ مِنْ حِيطَانِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِاسْتِقْبَالِهِ جُمْلَةُ الْبِنَاءِ لَا بَعْضُهُ وَلَا الْهَوَاءِ، وَلَا تَرِدُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى أَبُو قُبَيْسٍ مَعَ كَوْنِ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>