للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَبْدَأُ فَيُسَمِّي اللَّهَ وَلَمْ يَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ وَكَوْنُ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ أَمْكَنُ لَهُ فِي تَنَاوُلِهِ وَيَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ غَسَلَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْوُضُوءِ قَالَ: (وَبَاقِيه فَرِيضَةٌ) بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٌ وَهِيَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ الْمُكَلَّفُ عَلَى تَرْكِهِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عَدِّ فَرَائِضِهِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا سَبْعَةٌ: أَرْبَعٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَثَلَاثٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ فَرْضِيَّتُهَا وَهِيَ: النِّيَّةُ وَالدَّلْكُ وَالْفَوْرُ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ قَوْلَهُ: وَبَاقِيه فَرِيضَةٌ بِأَنَّ بَعْضَ غَيْرِ مَا قَدَّمَهُ سُنَّةٌ، كَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، وَمِنْهُ فَضِيلَةٌ كَشَفْعِ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثِهِ وَبَقِيَّةِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِبَاقِيهِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي آيَةِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦] الْآيَةَ، فَإِنَّهَا سِيقَتْ لِبَيَانِ فُرُوضِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا وَهِيَ: الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْكَعْبَيْنِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ، وَأَعْضَاءُ السُّنَنِ أَرْبَعٌ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ هُنَاكَ مَفْعُولَاتِهِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا هُوَ فَرْضٌ كَالنِّيَّةِ وَالدَّلْكِ وَالْمُوَالَاةِ، وَمَا هُوَ سُنَّةٌ كَالتَّرْتِيبِ وَالتَّجْدِيدِ لِلْأُذُنَيْنِ وَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُنَنَ الْوُضُوءِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ، وَزَادَ اللَّخْمِيُّ: مَسْحَ الصِّمَاخَيْنِ، وَابْنُ عَرَفَةَ: السِّوَاكَ، وَابْنُ رُشْدٍ: الْمُوَالَاةَ، فَتَصِيرُ جُمْلَةُ السُّنَنِ إحْدَى عَشْرَةَ سُنَّةً.

(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا يَفْتَقِرُ مِنْ السُّنَنِ إلَى نِيَّةٍ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ، وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ وَذَلِكَ كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ، وَمَا تَأَخَّرَ عَنْ الشُّرُوعِ فِي الْفَرَائِضِ فَنِيَّةُ الْفَرْضِ تَشْمَلُهُ كَالْفَضَائِلِ وَصِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي غَسْلِ يَدَيْهِ الْإِتْيَانَ بِسُنَنِ الْوُضُوءِ السَّابِقَةِ عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ

الثَّانِي: لَمْ يُنَبِّهْ أَيْضًا عَلَى شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ لِتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى شَرْطِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ، وَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ، فَالْأَوَّلُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: الْعَقْلُ وَبُلُوغُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَطْعُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَوُجُودُ الْكَافِي مِنْ الْمُطْلَقِ. وَالثَّانِي سِتَّةُ أَشْيَاءَ: دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ أَوْ تَذَكُّرُ الْفَائِتَةِ وَالْبُلُوغُ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهِ وَعَدَمُ النَّوْمِ وَعَدَمُ السَّهْوِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَطْلُوبِ لَهَا الْوُضُوءُ وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ. وَالثَّالِثُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ وَلَوْ حُكْمًا كَوُضُوءِ مَنْ أَجْمَعَ بِقَلْبِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَدَمُ الْحَائِلِ عَلَى مَحَلِّ الطَّهَارَةِ وَعَدَمُ التَّلَبُّسِ بِالْمُنَافِي حَالَ فِعْلِ الطَّهَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِشَرْطِ الْوُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ، وَبِشَرْطِ الصِّحَّةِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ، وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ شَرْطِ الْوُجُوبِ بِمَا لَا يُطْلَبُ مِنْ الشَّخْصِ تَحْصِيلُهُ وَشَرْطُ الصِّحَّةِ بِمَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَحْصِيلُهُ لِئَلَّا يُشْكِلَ اجْتِمَاعُهُمَا، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ إبْدَالُ الْوُجُوبِ بِالطَّلَبِ لِيَتَنَاوَلَ وُضُوءَ الصَّبِيِّ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا هُوَ سُنَّةٌ وَمَا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْ الْوُضُوءِ، شَرَعَ فِي صِفَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ فَقَالَ: (فَمَنْ قَامَ إلَى وُضُوءٍ مِنْ نَوْمٍ) مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ (أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ مُوجِبَاتِهِ (فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَبْهَرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: إنَّهُ (يَبْدَأُ فَيُسَمِّي اللَّهَ) بِأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ. (وَلَمْ يَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ) عِنْدَ السَّلَفِ بَلْ جَعَلَهُ مِنْ الْفِعْلِ الْمُنْكَرِ أَيْ مَكْرُوهٌ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ أَشْهُرُهَا مَا صَدَّرَ بِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ: وَتَسْمِيَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِهَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ (وَ) مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَيْضًا (كَوْنُ الْإِنَاءِ) مَوْضُوعًا (عَلَى يَمِينِهِ) إنْ كَانَ مَفْتُوحًا؛ لِأَنَّهُ (أَمْكَنُ) أَيْ أَسْهَلُ (لَهُ فِي تَنَاوُلِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ وَإِنَاءٍ إنْ فَتَحَ (وَ) بَعْدَ وَضْعِ الْإِنَاءِ عَلَى مَا هُوَ أَمْكَنُ لَهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ (يَبْدَأَ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ) إلَى كُوعَيْهِ (قَبْلَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>