لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهُ عِلْمٌ تَيَمَّمَ فِي وَسَطِهِ وَكَذَلِكَ إنْ خَافَ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَرَجَا أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ
وَمَنْ تَيَمَّمَ
ــ
[الفواكه الدواني]
اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ صَحِيحٌ لَكِنْ يَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِاسْتِعْمَالِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَهُوَ إنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ خِلَافٌ وَلَوْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ، فَمَنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ إلَّا قُرْبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَعْتَقِدُ إدْرَاكَ الْوَقْتِ إنْ تَيَمَّمَ لَا إنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ وَلَا يَقْطَعُ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ فِي أَثْنَائِهِ بَقَاءُ الْوَقْتِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا إنْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، بِخِلَافِ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ حَيْثُ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا.
١ -
الثَّالِثُ: عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَا فِي عَدِّ فَرَائِضِ التَّيَمُّمِ، وَمِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الَّتِي يُرِيدُ فِعْلَهَا إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ ذَكَرَهَا إنْ كَانَتْ فَائِتَةً، وَإِذْ تَحَقَّقَ دُخُولَهُ صَحَّ لَكِنْ يَخْتَلِفُ الشُّرُوعُ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ الْعَادِمَ لِلْمَاءِ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا مُوقِنٌ بِوُجُودِ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ، أَوْ عِنْدَهُ يَأْسٌ مِنْ وُجُودِهِ آخِرَ الْوَقْتِ، أَوْ لَا دِرَايَةَ لَهُ أَوْ مُتَرَدِّدٌ أَوْ مُتَرَجٍّ لَهُ، فَالْأَوَّلُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَالثَّانِي يُقَدِّمُهَا، وَالثَّالِثُ يُتَوَسَّطُ بِفِعْلِهَا.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا أَيْقَنَ) أَوْ ظَنَّ (الْمُسَافِرُ) وَكَذَلِكَ الْحَاضِرُ فَالْمَفْهُومُ مُعَطَّلٌ (بِوُجُودِ الْمَاءِ) الْكَافِي لِمَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ (فِي) أَثْنَاءِ (الْوَقْتِ) وَأَمَّا الْآنَ فَهُوَ عَادِمٌ لِلْمَاءِ (أَخَّرَ) التَّيَمُّمَ اسْتِحْبَابًا (إلَى آخِرِهِ) بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ فِعْلِهِ وَمَا يَسَعُ الصَّلَاةَ، وَالْمُرَادُ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ، وَقَوْلُنَا اسْتِحْبَابًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ: التَّأْخِيرُ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حِينَ حَلَّتْ الصَّلَاةُ وَوَجَبَ الْقِيَامُ لَهَا غَيْرَ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] .
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْعَدَمِ لِوُصُولِهِ الْمَاءَ وَالْوَقْتُ قَائِمٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: التَّيَمُّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِحَوْزِ فَضِيلَتِهِ، وَإِذَا كَانَ مُوقِنًا بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ لِيُصَلِّيَ بِالطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ، فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً وَيُعِيدُهَا أَبَدًا، فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْمُسَافِرِ وَلَا لَأَيْقَنَ فِي كَلَامِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِأَيْقَنَ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الظَّانَّ كَذَلِكَ، فَالْمُرَادُ بِأَيْقَنَ فِي كَلَامِهِ مَنْ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَمَنْ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي لُحُوقِهِ أَوْ وُجُودِهِ فَيَتَنَاوَلُ الرَّاجِيَ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيه كَلَامُهُ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَسَطَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالرَّاجِي آخِرَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فَالْآيِسُ أَوْ الْمُخْتَارُ وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ وَالرَّاجِي آخِرَهُ.
وَمِمَّنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى آخَرِ الْوَقْتِ الْفَاقِدُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي أَوَّلِهِ وَيَرْجُو الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ آخِرَهُ، فَإِنْ تَيَمَّمَ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَوَّلَهُ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ تَيَمَّمَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ يُطْمَحُ فِي وُجُودِهِ آخِرَ الْوَقْتِ.
أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ أَوَّلَ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا إنْ وَجَدَهُ فِي مَحَلٍّ كَانَ يَظُنُّ وُجُودَهُ فِيهِ إنْ طَلَبه وَلَوْ مِنْ رُفْقَةٍ كَثِيرَةٍ يَظُنُّ إعْطَاءَهُمْ لَهُ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَهُ فِي مَحَلٍّ كَانَ يَشُكُّ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ مَعَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا فِي الْوَقْتِ، وَبِقَوْلِنَا: الَّذِي كَانَ يَطْمَعُ فِي وُجُودِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُ مُتَحَقِّقَ وُجُودِهِ تَحْصِيلُهُ إذَا كَانَ عَلَى نَحْوِ مِيلَيْنِ فَأَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ كَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَقَلَّ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ.
وَأَشَارَ إلَى ثَانِي الْأَقْسَامِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ (تَيَمَّمَ فِي أَوَّلِهِ) اسْتِحْبَابًا لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَمِثْلُهُ الْآيِسُ مِنْ لُحُوقِهِ أَوْ مِنْ زَوَالِ مَانِعِ اسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَأَشَارَ إلَى ثَالِثِ الْأَقْسَامِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمٍ) أَيْ يَقِينٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَلَا يَأْسٍ بَلْ هُوَ جَاهِلٌ مُتَرَدِّدٌ فِي وُجُودِهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْعَالِمُ بِوُجُودِهِ الْمُتَرَدِّدِ فِي لُحُوقِهِ (تَيَمَّمَ فِي وَسَطِهِ) نَدْبًا، وَالْخَائِفُ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَجِدُ مُنَاوِلًا وَالْمَسْجُونُ، فَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ يُنْدَبُ لَهُمْ التَّيَمُّمُ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ (وَكَذَلِكَ) الْعَادِمُ لِلْمَاءِ فِي الْحَالِ يُنْدَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَسَطَ الْوَقْتِ (إنْ خَافَ) أَيْ تَوَهَّمَ (أَنْ لَا يُدْرِكَهُ) أَيْ الْمَاءُ (فِي الْوَقْتِ وَرَجَا) أَيْ طَمِعَ بِحَسَبِ ظَنِّهِ (أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَيَمُّمِ الرَّاجِي وَسَطَ الْوَقْتِ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الرَّاجِيَ كَالْمُتَيَقِّنِ لِوُجُودِ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ يُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ كَمَا وَضَّحْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ.
وَإِنَّمَا فَسَرَّنَا خَافَ بِتَوَهَّمَ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ: وَرَجَا إلَخْ.
قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَزِمَ فِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ، فَالْآيِسُ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ، وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ، وَالرَّاجِي آخِرَهُ، وَمِنْ بَاب أَوْلَى الْمُتَيَقِّنُ وَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، فَلَوْ أَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ الْمُتَيَقِّنَ بِالرَّاجِي لَكَانَ مُوَافِقًا لِخَلِيلٍ وَيُعْلَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْمُتَيَقِّنِ وَالظَّانِّ بِالْأَوْلَى، فَخَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ.
وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ إعَادَتِهَا فِي الْوَقْتِ، أَشَارَ إلَى