الْبَاقِيَةُ فِي الْمَغْرِبِ مِنْ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَغْرِبِ صُفْرَةٌ وَلَا حُمْرَةٌ فَقَدْ وَجَبَ الْوَقْتُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْبَيَاضِ فِي الْمَغْرِبِ فَذَلِكَ لَهَا وَقْتٌ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ مِمَّنْ يُرِيدُ تَأْخِيرَهَا لِشُغْلٍ أَوْ عُذْرٍ وَالْمُبَادَرَةُ بِهَا أَوْلَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا أَهْلُ الْمَسَاجِدِ قَلِيلًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ
وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ لِغَيْرِ شُغْلٍ بَعْدَهَا.
ــ
[الفواكه الدواني]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ) الْمُخْتَارُ: وَلَمَّا كَانَتْ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ غَرِيبَةً قَالَ: (وَهِيَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ (وَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهَا) وَأَفْضَلُ مِنْ لَفْظِ الْعَتَمَةِ لِأَنَّهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَخَبَرِ وَقْتِ (غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالشَّفَقُ) هُوَ (الْحُمْرَةُ الْبَاقِيَةُ فِي) جِهَةِ (الْمَغْرِبِ مِنْ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ) مِنْ ضَوْئِهَا كَالْقُضْبَانِ (فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي) نَاحِيَةِ (الْمَغْرِبِ صُفْرَةٌ وَلَا حُمْرَةٌ فَقَدْ وَجَبَ) أَيْ دَخَلَ (الْوَقْتُ) الْمَذْكُورُ لِلْعِشَاءِ. (وَلَا يَنْظُرُ إلَى الْبَيَاضِ) الْبَاقِي (فِي الْمَغْرِبِ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، دَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ» وَأَيْضًا «الْغَوَارِبُ ثَلَاثَةٌ: أَنْوَارُ الشَّمْسِ وَالشَّفَقَانِ، وَالطَّوَالِعُ ثَلَاثَةٌ: الْفَجْرَانِ وَالشَّمْسُ وَالْحُكْمُ لِلْوَسَطِ فِي الطَّوَالِعِ وَالْغَوَارِبِ» (فَذَلِكَ) أَيْ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ (لَهَا وَقْتٌ) مُمْتَدٌّ (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْغُرُوبِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْعِشَاءِ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ لِلثُّلُثِ الْأَوَّلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَيَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا» . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ تَأْخِيرُهَا إلَى أَثْنَاءِ الثُّلُثِ إلَّا (مِمَّنْ يُرِيدُ تَأْخِيرَهَا لِشُغْلٍ) مُهِمٍّ كَعَمَلِهِ فِي حِرْفَتِهِ الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا. (أَوْ) لِأَجْلِ (عُذْرٍ) كَمَرَضٍ فَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ. (وَ) أَمَّا مَنْ لَا شُغْلَ وَلَا عُذْرَ لَهُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ (الْمُبَادَرَةَ بِهَا) فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (أَوْلَى) أَيْ أَفْضَلُ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَمَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا، وَأَمَّا الَّتِي تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا فَأَشَارَ لِحُكْمِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُؤَخِّرُهَا أَهْلُ الْمَسَاجِدِ) وَالْحَرَسُ وَهُمْ الْمُرَابِطُونَ وَأَصْحَابُ الْمَدَارِسِ (قَلِيلًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ) لِصَلَاتِهَا جَمَاعَةً، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا تَقْدِيمُ غَيْرِ الظُّهْرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعِشَاءُ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لَهُمْ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ لِرُبْعِ الْقَامَةِ فِي كُلِّ الزَّمَنِ وَيُزَادُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَسَاجِدِ أَهْلِ الْقَبَائِلِ، وَمَا هُنَا فِي حَقِّ أَهْلِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ، أَوْ أَنَّ التَّأْخِيرَ هُنَا فِي حُكْمِ التَّقْدِيمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَلِيلًا فَلَيْسَ كَتَأْخِيرِ الظُّهْرِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَفِيهَا نَدْبُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ قَلِيلًا.
وَلَمَّا كَانَتْ الْعِشَاءُ تَأْتِي فِي زَمَنِ غَلَبَةِ النَّوْمِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ جَوَازُهُ قَبْلَهَا قَالَ: (وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَيْ الْعِشَاءِ (وَالْحَدِيثُ لِغَيْرِ شُغْلٍ بَعْدَهَا) وَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةٍ مِنْ نَوْمِهِ قَبْلَهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَرَاهَةُ النَّوْمِ قَبْلَهَا وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ نَوْمِ الْوَكِيلِ أَوْ نِسْيَانِهِ فَيُفَوِّتُ اخْتِيَارَيْهَا، وَإِنَّمَا كُرِهَ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَجَازَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ غَيْرِهَا كَمَا يَأْتِي لِأَنَّ وَقْتَهَا زَمَنُ نَوْمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَكَرَاهَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا مَخَافَةَ نَوْمِهِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمَفْهُومُ لِغَيْرِ شُغْلٍ أَنَّ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا لِمَصْلَحَةٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دِينِيَّةً كَالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ أَوْ دُنْيَوِيَّةً كَالْمُنَاقَشَةِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَكَالْكَلَامِ مَعَ الْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ لِيُؤْنِسَهُ أَوْ الْعَرُوسِ، وَاخْتُلِفَ فِي فَضْلِ النَّوْمِ عَلَى السَّهَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الطَّاعَةِ.
١ -
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ النَّوْمِ قَبْلَ صَلَاةٍ نَحْوَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيَّنَهُ شَيْخُ شَيْخِنَا الْأُجْهُورِيُّ بِمَا مُحَصِّلُهُ: النَّوْمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا حَرَجَ فِيهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ جَوَّزَ نَوْمَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ
(تَتِمَّاتٌ) الْأُولَى: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْوَقْتَ الِاخْتِيَارِيَّ وَسَكَتَ عَنْ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ غَالِبًا تِلْوُ الْمُخْتَارِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِلظُّهْرَيْنِ وَإِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي الْعِشَاءِ، وَأَمَّا الصُّبْحُ فَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا ضَرُورِيَّ لَهَا، وَعَلَى كَلَامِ خَلِيلٍ مِنْ الْإِسْفَارِ إلَى الطُّلُوعِ، وَقَيَّدْنَا بِغَالِبًا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الضَّرُورِيِّ لِذِي قَبْلَ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ صَاحِبِ السَّلَسِ الَّذِي يُلَازِمُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ ثَانِيَةُ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهَا فِي وَقْتِ الْأَوَّلِ، وَفِي حَقِّ الْمُسَافِرِ الَّذِي يَكُونُ نَازِلًا بِالْمَنْهَلِ وَيَنْوِي الِارْتِحَالَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالنُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ بَعْدَ فِعْلِ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ لِأَجْلٍ الْمَطَرِ، وَكَذَلِكَ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ قُدِّمَتْ عَلَى اخْتِيَارَيْهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ لِلصُّبْحِ وَلَا لِلْأُولَى مِنْ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ فَافْهَمْ.
الثَّانِيَةُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا مَا يُدْرَكُ بِهِ الْوَقْتُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُصَلِّي مُؤَدَّيَا، وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتُدْرَكُ فِيهِ الصُّبْحُ بِرَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْكُلُّ أَدَاءٌ وَالظُّهْرَانِ وَالْعِشَاءُ أَنْ يَفْصِلَ رَكْعَةً عَنْ الْأُولَى وَهَذَا فِي الضَّرُورِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُدْرَكُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute