للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاسِطًا يَدَيْكَ مُسْتَوِيَتَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ تَجْعَلُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْكَ أَوْ دُونَ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ غَيْرُ أَنَّكَ لَا تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْكَ فِي الْأَرْضِ وَلَا تَضُمُّ عَضُدَيْكَ إلَى جَنْبَيْكَ، وَلَكِنْ تُجَنِّحُ بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا، وَتَكُونُ رِجْلَاكَ فِي سُجُودِكَ قَائِمَتَيْنِ، وَبُطُونُ إبْهَامَيْهِمَا إلَى الْأَرْضِ وَتَقُولُ إنْ شِئْت فِي سُجُودِكَ سُبْحَانَكَ رَبِّي ظَلَمْت نَفْسِي وَعَمِلْت سُوءًا فَاغْفِرْ لِي أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ إنْ شِئْت، وَتَدْعُو فِي السُّجُودِ إنْ شِئْت، وَلَيْسَ لِطُولِ ذَلِكَ وَقْتٌ وَأَقَلُّهُ أَنْ تُطَمْئِنَ مَفَاصِلُكَ مُتَمَكِّنًا

ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَك

ــ

[الفواكه الدواني]

شَرِيطٍ أَوْ حَبْلٍ فَلَا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ إلَّا لِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ وَلَوْ عَلَى سَرِيرٍ فَيَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ، وَلَوْ كَانَ يَسْتَطِيعُ عَلَى أَنْفِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ إنَّمَا يُطْلَبُ تَبَعًا لِلسُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ فَحَيْثُ سَقَطَ فَرْضُهَا سَقَطَ تَابِعُهَا.

(وَتُبَاشِرُ) نَدْبًا (بِكَفَّيْك الْأَرْضَ) فِي سُجُودِك وَكَذَا بِجَبْهَتِك؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّوَاضُعِ، وَيُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى حَصِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ رَفَاهِيَةٌ إلَّا لِنَجَاسَةِ الْأَرْضِ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ لِكَوْنِهَا مَفْرُوشَةً فِي الْمَسْجِدِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَتَكُونُ فِي حَالِ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ (بَاسِطًا يَدَيْك) أَيْ مَادًّا لَهُمَا حَالَةَ كَوْنِهِمَا (مُسْتَوِيَتَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ) فَإِلَى الْقِبْلَةِ ظَرْفُ لَغْوٍ مُتَعَلِّقٌ بِبَاسِطًا، وَيُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا مَقْبُوضَتَيْنِ أَوْ مَادًّا لَهُمَا لِغَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَ (تَجْعَلُهُمَا) عِنْدَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ مَبْسُوطَتَيْنِ مُسْتَوِيَتَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ (حَذْوَ أُذُنَيْك أَوْ دُونَ ذَلِكَ) بِأَنْ تَضَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، فَلَوْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَك يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِعَمْدِهِ، وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ فَسُنَّةٌ كَالسُّجُودِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَسُنَّ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ كَيَدَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِخَبَرِ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى السُّنِّيَّةِ بِدَلِيلِ آخِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ» فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِكَفْتِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، وَلَا يُقَالُ: إذًا لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ السَّبْعَةِ، لِأَنَّا نَقُولُ: السُّجُودُ أُخِذَتْ فَرِيضَتُهُ مِنْ قَوْلِهِ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] وَحَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ بِالْأَرْضِ، وَلَمَّا كَانَ الْوَضْعُ الْمَذْكُورُ لَا مَزِيَّةَ فِيهِ لِبَعْضِ الْوُجُوهِ قَالَ: (وَذَلِكَ) الْجَعْلُ (كُلُّهُ وَاسِعٌ) إذْ لَيْسَ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِمُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ بِالْكَفَّيْنِ وَبَسْطِهِمَا وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ (غَيْرُ أَنَّك لَا تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْك فِي الْأَرْضِ) بَلْ الْمُسْتَحَبُّ رَفْعُهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَفْتَرِشْ يَدَيْهِ كَافْتِرَاشِ الْكَلْبِ» ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، كَمَا يُكْرَهُ افْتِرَاشُهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ.

(وَلَا تَضُمَّ عَضُدَيْك) تَثْنِيَةُ عَضُدٍ وَهُوَ الْمِفْصَلُ مِنْ الْمِرْفَقِ إلَى الْكَتِفِ (إلَى جَنْبَيْك وَلَكِنْ تَجْنَحُ) أَيْ تَمِيلُ (بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ «كَانَ إذَا سَجَدَ جَنَحَ بِيَدَيْهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبْطَيْهِ أَيْ بَيَاضُ إبْطَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ» وَالْمَعْنَى كَمَا فِي رِوَايَةِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُفَرِّجُ يَدَيْهِ عَنْ إبْطَيْهِ» قَالَ خَلِيلٌ: وَمُجَافَاةُ رِجْلٍ فِيهِ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلسَّاجِدِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ الَّتِي لَمْ يُطَوِّلْ فِيهَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ بَطْنِهِ وَفَخِذَيْهِ، وَبَيْنَ مِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَبَيْنَ ذِرَاعَيْهِ وَفَخِذَيْهِ، وَبَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَكُونُ فِي سُجُودِهَا مُنْضَمَّةً.

(وَ) يُسْتَحَبُّ لَك أَنْ (تَكُونَ رِجْلَاك) أَيْ صُدُورُ قَدَمَيْك (فِي) حَالِ (سُجُودِك قَائِمَتَيْنِ) بِأَنْ تَجْعَلَ كَعْبَيْك أَعْلَى (وَبُطُونُ إبْهَامَيْهِمَا إلَى الْأَرْضِ) وَكَذَا بُطُونُ سَائِرِ الْأَصَابِعِ، فَالنَّدْبُ مُتَعَلِّقٌ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ سُنَّةٌ (وَتَقُولُ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (إنْ شِئْت فِي سُجُودِك سُبْحَانَك رَبِّي ظَلَمْت نَفْسِي وَعَمِلْت سُوءًا فَاغْفِرْ لِي) ؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَكُونُ الْعَبْدُ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ رَبِّهِ، وَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَعْنَى ظَلَمْت نَفْسِي أَطَعْتهَا فِي فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا، وَمَعْنَى اغْفِرْ لِي اُسْتُرْ مَا وَقَعَ مِنِّي عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ يَوْمَ الْحِسَابِ وَلَا تُؤَاخِذُنِي بِهِ، وَسُبْحَانَ مِنْ الْمَصَادِرِ الْمُلَازِمَةِ لِلنَّصْبِ بِعَامِلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ سَبَّحْت أَوْ ذَكَرْت.

(أَوْ) تَقُولُ (غَيْرَ ذَلِكَ) اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ (إنْ شِئْت) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَفِرُّ مِنْ التَّحْدِيدِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّصْرِيحَ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ لِمَا قِيلَ: مِنْ أَنْ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ حِينَ أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ فَابْيَضَّ وَجْهُهُ بَعْدَ اسْوِدَادِهِ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ التَّسْبِيحِ.

(وَ) يُسْتَحَبُّ لَك أَنْ (تَدْعُوَ فِي سُجُودِك) بَدَلَ التَّسْبِيحِ (بِمَا شِئْت) مِنْ الْأَدْعِيَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَدَعَا بِمَا أَحَبَّ وَإِنْ لِدُنْيَا، لَكِنْ لَا تَدْعُو إلَّا بِأَمْرٍ جَائِزٍ وَمُمْكِنٍ عَادَةً وَشَرْعًا، فَلَا تَدْعُو بِمُمْتَنِعٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُك عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَإِنَّمَا قَالَ بِمَا شِئْت إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ دُعَاءٍ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠] وَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>