بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالتَّكَلُّمِ بِالْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْجَهْرُ فَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ، وَالْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ
وَهِيَ فِي هَيْئَةِ صَلَاتِهَا مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهَا تَنْضَمُّ وَلَا تَفْرُجُ فَخِذَيْهَا وَلَا عَضُدَيْهَا وَتَكُونُ مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً فِي جُلُوسِهَا وَسُجُودِهَا وَأَمْرِهَا كُلِّهِ
ثُمَّ يُصَلِّي الشَّفْعَ وَالْوِتْرَ جَهْرًا
وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْإِجْهَارُ وَفِي نَوَافِلِ النَّهَارِ
ــ
[الفواكه الدواني]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: النَّوْمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: نَوْمُ خُرْقٍ وَنَوْمُ خُلْقٍ وَنَوْمُ حُمْقٍ، فَالْخُرْقُ نَوْمَةُ الصَّبْحَى يَقْضِي النَّاسُ حَوَائِجَهُمْ وَهُوَ نَائِمٌ، وَنَوْمَةُ خُلْقٍ نَوْمَةُ الْقَائِلَةِ، وَنَوْمَةُ حُمْقٍ النَّوْمُ حِينَ تَحْضُرُ الصَّلَاةُ،
وَلَمَّا بَيَّنَ مَا يُقْرَأُ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ سِرًّا وَمَا يُقْرَأُ فِيهَا جَهْرًا بَيَّنَ حَقِيقَةَ كُلٍّ بِقَوْلِهِ: (وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي يُسِرُّ بِهَا فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا) بِالرَّفْعِ تَوْكِيدٌ لِلْقِرَاءَةِ الْوَاقِعَةِ مُبْتَدَأً (هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالتَّكَلُّمِ) أَيْ فِي التَّلَفُّظِ (بِالْقُرْآنِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَفَاتِحَةٌ بِحَرَكَةِ لِسَانٍ وَهَذَا أَقَلُّ السِّرِّ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الصَّلَاةِ إذْ لَا يُعَدُّ قِرَاءَةً، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا يَقْرَأُ بِهِ كَمَا لَا يَبَرُّ الْحَالِفُ لَيَقْرَأَنَّ السُّورَةَ الْفُلَانِيَّةَ بِإِجْرَائِهَا عَلَى قَلْبِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بِالتَّكَلُّمِ الْقُرْآنُ عَمَّا لَوْ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ بِنَحْوِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَلَا يَكْفِيهِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِنَسْخِهَا بِالْقُرْآنِ، أَوْ لِأَنَّهَا غُيِّرَتْ وَبُدِّلَتْ، أَوْ لِمُخَالَفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُصَلِّ إلَّا بِالْقُرْآنِ، لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ بِالتَّكَلُّمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْقُرْآنَ حَادِثٌ مَخْلُوقٌ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ قَدِيمٌ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ وَالْقَدِيمُ مَدْلُولُهُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْقُرْآنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَةِ ذَاتِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْقِرَاءَةُ إلَى قَوْلِهِ. هِيَ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ مَا يُطْلَبُ بِهِ الْإِسْرَارُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ كَتَسْلِيمِ الْمَأْمُومِ لِلرَّدِّ وَكَتَكْبِيرِ غَيْرِ الْإِمَامِ لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ لَيْسَ كَالْقُرْآنِ اهـ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ فِي الْجَمِيعِ مِنْ حَرَكَةِ اللِّسَانِ عَلَى مَا يَظْهَرُ، إذْ مُجَرَّدُ الْإِجْرَاءِ عَلَى الْقَلْبِ لَا حُكْمَ لَهُ فِي قِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا أَدْعِيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا الْجَهْرُ) أَيْ أَقَلُّهُ الَّذِي يُسَنُّ فِعْلُهُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَأُولَتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (فَ) هُوَ (أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ) أَنْ لَوْ كَانَ (إنْ كَانَ) صَلَّى (وَحْدَهُ) وَأَمَّا أَعْلَاهُ فَلَا حَدَّ لَهُ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَالْمَطْلُوبُ فِي حَقِّهِ الزِّيَادَةُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَأْمُومِ لِإِسْمَاعِ الْمَأْمُومِينَ لَا خُصُوصَ مَنْ يَلِيهِ بِحَيْثُ يُسْتَغْنَى عَنْ الْمُسْمِعِ، وَإِنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فَفِي الْمُوَطَّإِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُسْمَعُ قِرَاءَتُهُ فِي دَارِ أَبِي جَهْمٍ بِالْبَلَاطِ مَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ إنْ طَلَبَ مَحَلَّ الْجَهْرِ حَيْثُ كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَخْلِيطٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِلَّا نَهَى عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّخْلِيطُ وَلَوْ أَدَّى إلَى إسْقَاطِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْتَكَبُ مُحَرَّمٌ لِتَحْصِيلِ سُنَّةٍ (وَ) أَمَّا (الْمَرْأَةُ) فَهِيَ (دُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ) بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا تُسْمِعُ مَنْ يَلِيهَا فَيَكْفِيهَا حَرَكَةُ لِسَانِهَا، فَالْجَهْرُ فِي حَقِّهَا كَالسِّرِّ فَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهَا الْجَهْرُ بَلْ تُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَالظَّاهِرُ اسْتِوَاءُ حَالَتِهَا فِي الْخَلْوَةِ وَالْجَلْوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ طُرُوَّ أَحَدٍ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَذَانِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لِلضَّرُورَةِ.
(وَهِيَ فِي هَيْئَةِ) أَيْ صِفَةِ (صَلَاتِهَا) مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ الرَّجُلِ (غَيْرَ أَنَّهَا) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ (تَنْضَمَّ) أَيْ تَنْكَمِشَ (وَلَا تَفْرُجُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِتَنْضَمَّ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ إسْقَاطَ الْوَاوِ وَيَقُولُ بَعْدَ تَنْضَمُّ لَا تَفْرُجُ (فَخِذَيْهَا وَلَا عَضُدَيْهَا وَ) إنَّمَا (تَكُونُ مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً) تَوْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِمَا قَبْلَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ الْحَالَةَ الَّتِي تَنْضَمُّ فِيهَا بِقَوْلِهِ: (فِي جُلُوسِهَا وَسُجُودِهَا وَأَمْرِهَا كُلِّهِ) يَدْخُلُ فِيهِ الرُّكُوعُ فَلَا تَجْنَحُ كَالرَّجُلِ، وَكَلَامُهُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ: وَتُجَافِي ضَبْعَيْك عَنْ جَنْبَيْك فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ، غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا: وَأَمْرُهَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَجْلِسُ عَلَى وَرِكِهَا الْأَيْسَرِ وَفَخِذِهَا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، تَضُمُّ بَعْضَهُمَا لِبَعْضٍ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ جُلُوسُهَا كَالرَّجُلِ فَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْجُلُوسِ بِإِفْضَاءِ الْيُسْرَى لِلْأَرْضِ وَالْيُمْنَى عَلَيْهَا فَيَصِيرُ قُعُودُهَا عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَلَا تَقْعُدُ عَلَى رِجْلِهَا الْيُسْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَشَيْءٍ مِنْ الْأَذْكَارِ (يُصَلِّي الشَّفْعَ) وَأَقَلُّ مَا يَنْدُبُ مِنْهُ رَكْعَتَانِ (وَ) يُصَلِّي (الْوَتْرِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ آكَدُ السُّنَنِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْوَتْرُ سُنَّةٌ آكَدُ ثُمَّ عِيدٌ ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ وَوَقْتُهُ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ، إنَّمَا كَانَ آكَدَ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَدِلِّينَ بِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى السُّنِّيَّةِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْ الْإِسْلَامِ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» فَنَفَى الْوُجُوبَ عَنْ غَيْرِ الْخَمْسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَالْمَنْدُوبُ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ شَفْعٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ بِسَلَامٍ إلَّا لِاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلٍ فَلَا كَرَاهَةَ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الشَّفْعَ وَبِالْأَخِيرَةِ الْوَتْرَ، وَإِنْ نَوَى الْإِمَامُ بِالْجَمِيعِ الْوَتْرَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ابْتِدَاءً أَنَّهُ وَاصِلٌ فَإِنَّهُ يُحْدِثُ نِيَّةَ الْوِتْرِ عِنْدَ قِيَامِ الْإِمَامِ لَهَا