بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاةِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ الدِّرْعُ الْخَصِيفُ السَّابِغُ الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا، وَهُوَ الْقَمِيصُ وَالْخِمَارُ الْخَصِيفُ
وَيُجْزِئُ الرَّجُلَ فِي الصَّلَاةِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَلَا يُغَطِّي أَنْفَهُ وَوَجْهَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَضُمُّ ثِيَابَهُ أَوْ يَكْفِتُ
ــ
[الفواكه الدواني]
بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ بِتَنْوِينِ بَابٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِعَدَمِ إيهَامِهِ، وَبِالْإِضَافَةِ أَيْ بَابِ جَامِعٍ لَكِنَّ الْإِضَافَةَ تُوهِمُ أَنَّهُ جَمَعَ كُلَّ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ، وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ تَنْوِينِهِ الْمَعْنِيِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَذْكُرُ مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةً (فِي الصَّلَاةِ) وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ عَلَى نُسْخَةِ فِي، وَأَمَّا عَلَى إسْقَاطِهَا فَالتَّنْوِينُ وَعَدَمُهُ سِيَّانِ فِي أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَابَ جَمَعَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ لَكِنْ يُوهِمُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِيهِ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ لَا غَيْرَهَا، مَعَ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِيهِ أَحْكَامَ غَيْرِ الصَّلَاةِ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةً بِالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ، وَيُوهِمُ أَيْضًا أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ إلَّا أَحْكَامَ الصَّلَاةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ جَامِعٌ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ وُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ وَسِتْرِ عَوْرَةٍ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ جَامِعٍ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ عَلَى حَدِّ: الْحَجُّ عَرَفَةَ، وَعَلَى إضَافَةِ بَابٍ إلَى جَامِعٍ فَيَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الدَّالِ إلَى مَدْلُولِهِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ، وَعَلَى إسْقَاطِ فِي وَتَنْوِينِ بَابٍ يَصِحُّ فِي الصَّلَاةِ النَّصْبُ وَالْجَرُّ عَلَى حَدِّ: وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا، وَابْتَدَأَ هَذَا الْبَابَ بِمَسْأَلَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ يُطْلَبُ حِينَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: (وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ) شَيْئَانِ سَاتِرَانِ لِجَسَدِهَا أَحَدُهُمَا (الدِّرْعُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (الْحَصِيفُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ الْكَثِيفُ الْمَتِينُ الَّذِي لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ، وَيُرْوَى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَسَّرَهُ عَلَى الضَّبْطَيْنِ بِقَوْلِهِ: (السَّابِغُ) أَيْ (الَّذِي يَسْتُرُ) جَمِيعَ جَسَدِهَا سِوَى رَأْسِهَا حَتَّى (ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) ، وَلَمَّا كَانَ الدِّرْعُ مُشْتَرَكًا لَفْظًا بَيْنَ دِرْعِ الْحَدِيدِ وَبَيْنَ الثَّوْبِ قَالَ: (وَهُوَ الْقَمِيصُ) الَّذِي يَسْلُكُ فِي الْعُنُقِ.
(وَ) ثَانِي الْأَمْرَيْنِ (الْخِمَارُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ (الْخَصِيفُ) وَحَقِيقَةُ الْخِمَارِ الثَّوْبُ الَّذِي تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا وَخَدَّيْهَا، سُمِّيَ خِمَارًا؛ لِأَنَّهُ يُخَمِّرُ الرَّأْسَ أَيْ يُغَطِّيهِ، وَاحْتُرِزَ بِالْخَصِيفِ مِنْ الْخَفِيفِ النَّسْجُ الَّذِي يَشِفُّ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَالْبُنْدُقِيِّ الرَّفِيعِ فَإِنْ صَلَّتْ بِهِ أَعَادَتْ أَبَدًا عَلَى مَا قَالَ خَلِيلٌ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ بَشِيرٍ: مِنْ أَنَّ الَّذِي يَشِفُّ كَالْعَدَمِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ وَتَابِعِيهِ الشَّافُّ كَالْعَدَمِ وَمَا يَصِفُ لِرِقَّتِهِ يُكْرَهُ، وَهْمٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِرِوَايَةِ الْبَاجِيِّ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي حَالِ صَلَاتِهَا أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ جَسَدِهَا وَشَعْرَهَا حَتَّى دَلَالِيلَهَا مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ هُنَا الْوَجْهُ الْمُتَقَدِّمُ تَحْدِيدُهُ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ لِحْيَتِهَا إنْ خُلِقَ لَهَا لِحْيَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ بَعْضِ خَدَّيْهَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ إلَخْ أَنَّهَا لَوْ صَلَّتْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَاجِبِ لَمْ يُجِزْهَا، وَتُعِيدُ أَبَدًا وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ عَلَى تَفْصِيلٍ تَقَدَّمَ وَهُوَ: إنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الصَّدْرِ أَوْ بَعْضَ الْأَطْرَافِ كَظُهُورِ قَدَمَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وَشَعْرَهَا أَوْ بَعْضَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا وَأَطْرَافِهَا بِوَقْتٍ كَكَشْفِ أَمَةٍ فَخِذًا لَا رِجْلًا، وَأَمَّا لَوْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ شَيْءٍ مِنْ نَحْوِ الْبَطْنِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْجَنْبِ لَأَعَادَتْ أَبَدًا، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْخَلْوَةِ وَالْجَلْوَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَيَحِلُّ لِكُلٍّ النَّظَرُ لِفَرْجِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مَعَ الْغَيْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ جَمِيعِ الْجَسَدِ إلَّا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ مَعَ مَحْرَمِهَا وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ جَمِيعَ جَسَدِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا بَسْطَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.
(وَيُجْزِئُ الرَّجُلَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَالْفَاعِلُ (الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَوْنُهُ كَثِيفًا بِحَيْثُ لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ وَإِلَّا كُرِهَ وَكَوْنُهُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ. فَإِنْ سَتَرَ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ أَوْ كَانَ مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute