بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَى مَكَان نَجِسٍ
وَكَذَلِكَ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ مُخْتَلِفٍ فِي نَجَاسَتِهِ
وَأَمَّا مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
غَيْرُهُ فِي الْيَسِيرِ، وَفَرَضْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ حَصَلَ لَهُ الْخَطَأُ بِغَيْرِ النِّسْيَانِ، وَأَمَّا مَنْ أَخْطَأَ نَاسِيًا فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَدًا بِلَا خِلَافٍ، وَالْمُرَادُ نَسِيَ إمَّا مَطْلُوبِيَّةَ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ نَسِيَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَقِيلَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَالْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَأَمَّا جَاهِلُ حُكْمِ الِاسْتِقْبَالِ فَيُعِيدُ صَلَاتَهُ أَبَدًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ أَخْطَأَ لِغَيْرِ نِسْيَانٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَمَنْ أَخْطَأَ لِنِسْيَانٍ؟ فَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْإِعَادَةِ أَبَدًا أَوْ فِي الْوَقْتِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ النَّاسِيَ عِنْدَهُ تَفْرِيطٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَدْ فَعَلَ مَقْدُورَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ أَوْ التَّقْلِيدِ لِلْعَدْلِ الْعَارِفِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي قِبْلَةِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّخْيِيرِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: مَنْ صَلَّى بِوَاحِدٍ مِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ جَامِعِ عَمْرٍو بِالْفُسْطَاطِ فَتَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى مُنْحَرِفًا يَسِيرًا، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَائِرَ الْمَحَارِيبِ الْكَائِنَةِ بِالْمَدِينَةِ لَوْ صَلَّى إلَيْهَا كَمِحْرَابِ قُبَاءَ حُكْمُهُ حُكْمُ مِحْرَابِ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِمَّا ذَكَرْنَا وُجُوبُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لَكِنْ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ. وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ، وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ مَعَ ظُهُورِ الْعَلَامَاتِ لَهُ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَابْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ كَافِرٌ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ، فَإِنْ رَجَعَ تَرَكَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَدِلَّتِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: دَلِيلُ الْقِبْلَةِ بِالنَّهَارِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ ظِلَّكَ عِنْدَ وُقُوفِكَ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي الزِّيَادَةِ فَذَلِكَ قِبْلَتُكَ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجْرِي فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَاَلَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَلَوْ مِحْرَابًا صَحِيحًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَغْرِبَ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، أَوْ يَجْعَلَ الْمَشْرِقَ أَمَامَ وَجْهِهِ، وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي أَيِّ زَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ انْحِرَافٌ يَكُونُ يَسِيرًا، وَهُوَ لَا يَضُرُّ عِنْدَنَا، فِيمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ الْعَلَامَاتِ لِمَنْ كَانَ مِصْرِيًّا أَنْ يَجْعَلَ الْقُطْبَ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى، وَإِنْ كَانَ بِالْعِرَاقِ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَإِنْ كَانَ بِالشَّامِ يَجْعَلُهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْيَمَنِ يَجْعَلُهُ أَمَامَهُ، فَإِنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَقْبِلًا، فَإِنَّ الْعِرَاقَ مُقَابِلٌ لِمِصْرِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَالشَّامَ مِنْ جِهَةِ شِمَالِ مُسْتَقْبِلِ قِبْلَةِ مِصْرَ، وَالْيَمَنَ فِي جَنُوبِهِ، وَقَوْلُنَا إنْ كَانَ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ لِقَوْلِ خَلِيلٍ وَلَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ غَيْرَهُ وَلَا مِحْرَابًا إلَّا لِمِصْرِ وَإِنْ أَعْمَى، وَسَأَلَ عَنْ الْأَدِلَّةِ، وَقَلَّدَ غَيْرَهُ مُكَلَّفًا عَارِفًا أَوْ مِحْرَابًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُقَلِّدُ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ تَخَيَّرَ الْمُجْتَهِدُ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ جِهَةً تَرْكَنُ إلَيْهَا نَفْسُهُ وَيُصَلِّي، وَإِنْ صَلَّى لِلْأَرْبَعِ جِهَاتٍ لَكَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا لِاخْتِيَارِ بَعْضِ الشُّيُوخِ لَهُ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ بِكُلِّ وَجْهٍ كَالْمُصَلِّي فِي حَالَةِ الِالْتِحَامِ أَوْ مِنْ تَحْتِ هَدْمٍ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ كَمَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ عَلَى دَابَّةِ النَّافِلَةِ لِجِهَةِ سَيْرِهَا وَلَوْ كَانَتْ وِتْرًا، وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ وَإِجْحَافِ الْمُصَنِّفِ.
(وَكَذَلِكَ) أَيْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ (مَنْ صَلَّى) فَرِيضَةً (بِثَوْبٍ نَجِسٍ) أَوْ مُتَنَجِّسٍ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهَا وَاتِّسَاعِ الْوَقْتِ، وَكَانَتْ تِلْكَ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا، لَكِنْ صَلَّى نَاسِيًا لَهَا حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ. (أَوْ) صَلَّى (عَلَى مَكَان نَجِسٍ) فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَيْضًا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ إنَّمَا تَجِبُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَتَسْقُطُ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، وَأَمَّا مَعَ الْعَمْدِ وَالْقُدْرَةِ فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ وَتُعَادُ أَبَدًا، وَقِيلَ: إنَّهَا سُنَّةٌ فَتُعَادُ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ مَعَ الْعَمْدِ وَالْقُدْرَةِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ جَرْيَهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ صَلَاتِهِ عَاجِزًا عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ نَاسِيًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إزَالَتَهَا سُنَّةٌ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِهَا عَامِدًا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ إنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالصُّبْحِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا ضَرُورِيَّ لَهَا وَلِلْأَسْفَارِ الْأَعْلَى عَلَى مُقَابِلِهِ.
(تَنْبِيهٌ) أَشْعَرَ قَوْلُهُ صَلَّى أَنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرْ النَّجَاسَةَ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْمَكَانِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ فِي أَثْنَائِهَا لَبَطَلَتْ بِمُجَرَّدِ عِلْمِهَا كَمَا لَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ فِيهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةِ مُبْطِلٍ كَذِكْرِهَا فِيهَا لَا قَبْلَهَا، وَلَكِنْ يُقَيَّدُ الْبُطْلَانُ بِمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا بِوُجُودِ الْمُطْلَقِ وَاتِّسَاعِ الْوَقْتِ، وَمِثْلُ وُجُودِ الْمُطْلَقِ الثَّوْبُ أَوْ الْمَكَانُ الطَّاهِرُ فَيُصَلِّي فِي غَيْرِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا يُكْمِلُ، وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ طَرْحِ مَا عَلَيْهِ أَوْ تَحَوُّلِهِ إلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ لِبُطْلَانِهَا بِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إزَالَتِهَا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا، وَلَا إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا أَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا، وَأَمَّا لَوْ رَآهَا فِي ثَوْبِهِ، وَهَمَّ بِقَطْعِهَا فَنَسِيَهَا وَتَمَادَى فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَنَسِيَهَا وَصَلَّى فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ صَلَاتِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا لَوْ رَآهَا فِي ثَوْبِ إمَامِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ إنْ قَرُبَ مِنْهُ، وَإِذَا بَعُدَ أَعْلَمَهُ بِالْكَلَامِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ تَبَعِيَّتُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِنَجَاسَةِ ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ بَلْ يَسْتَخْلِفُ