للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقْلِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ أَرْفَقُ بِهِ لِبَطْنٍ بِهِ وَنَحْوِهِ جَمَعَ وَسْطَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ

ــ

[الفواكه الدواني]

رَاكِبًا لَهُ حَالَتَانِ، وَمَنْ زَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْمَنْهَلِ لَهُ ثَلَاثُ أَحْوَالٍ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْأُولَى، قَبْلَ الِارْتِحَالِ فِي الثَّلَاثِ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى قِسْمَيْ الرَّاكِبِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ زَالَتْ رَاكِبًا أَخَّرَهُمَا إنْ نَوَى الِاصْفِرَارَ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَفِي وَقْتَيْهَا كَمَنْ لَا يَضْبِطُ نُزُولَهُ، وَأَشَارَ إلَى أَحْوَالِ النَّازِلِ بِقَوْلِهِ: وَرَخَّصَ لَهُ الظُّهْرَيْنِ بِالْمَنْهَلِ إذَا زَالَتْ بِهِ، وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ وَفِي الِاصْفِرَارِ خَيْرٌ فِيهَا، وَالْعِشَاءَانِ كَالظُّهْرَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِتَنْزِيلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَنْزِلَةَ الْغُرُوبِ، وَالثُّلُثِ الْأَوَّلِ مَنْزِلَةَ مَا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ وَبَاقِي اللَّيْلِ مَنْزِلَةَ الِاصْفِرَارِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّازِلَ وَقْتَ الزَّوَالِ أَوْ الْغُرُوبِ مُخَالِفٌ لِلسَّائِرِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّازِلَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْتَحِلَ وَيَنْزِلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنَّمَا يَجْمَعُ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَالسَّائِرَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنَّمَا يَجْمَعُ جَمْعًا صُورِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلِلصَّحِيحِ فِعْلُهُ، وَنَظِيرهُ مَنْ لَا يَضْبِطُ وَقْتَ نُزُولِهِ، وَمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَالْمَبْطُونُ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ إذَا فَرَغَ مِنْهَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَيَشْرَعُ فِي الثَّانِيَةِ لِدُخُولٍ.

الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَدَّ الْيَسِيرُ فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا إسْنَادُ الْجِدِّ إلَى السَّيْرِ، وَهُوَ إنَّمَا يُسْنَدُ إلَى الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الِاجْتِهَادُ وَالسَّيْرُ لَا يُجْتَهَدُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا جَوَابَ هَذَا بِتَضْمِينِ جَدَّ بِمَعْنَى اشْتَدَّ أَوْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، وَهُوَ إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عَلَى حَدِّ: عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ صَاحِبُهَا، وَالْمَعْنَى هُنَا جَدَّ السَّيْرَ أَيْ صَاحِبُهُ، وَثَانِي الْأَمْرَيْنِ أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِ جَدَّ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الْجِدِّ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ كَمَا صَدَّرَ بِهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ قَصُرَ وَلَمْ يَجِدَّ إلَخْ.

الثَّالِثُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ صُورِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تُؤَخَّرُ، وَالْمُرَادُ وَقْتُهَا الْمُعْتَادُ لَهَا، فَلَا يُنَافِي أَنَّ مَا صَلَّيْت فِيهِ وَقْتٌ لَهَا ضَرُورِيٌّ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الضَّرُورِيَّ بَعْدَ الْمُخْتَارِ أَمْرٌ أَغْلَبِيٌّ، وَاخْتُلِفَ فِي الصُّورِيِّ هَلْ هُوَ رُخْصَةٌ أَوْ غَيْرُ رُخْصَةٍ؟ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ أَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَخَالَفَ الْمَازِرِيُّ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً، وَلَعَلَّ وَجْهَ كَوْنِهِ رُخْصَةً أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْمُكَلَّفِ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَيُلَامُ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَأَمَّا نَحْوُ الْمَرِيضِ وَمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ إيقَاعُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَا يُلَامُ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهَا، لِأَنَّهُ يُرَخَّصُ لِصَاحِبِ الضَّرُورَةِ مَا لَا يُرَخَّصُ فِيهِ لِلصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَشَارَ إلَى سَادِسِ الْأَسْبَابِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُسْتَحَبُّ (لِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ) بَيْنَ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ (إذَا خَافَ أَنْ يُغْلَبَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ (عَلَى عَقْلِهِ) فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ أَوْ حُمَّى أَوْ دَوْخَةٍ (عِنْدَ الزَّوَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَجْمَعُ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرَيْنِ (وَعِنْدَ الْغُرُوبِ) بِالنِّسْبَةِ لِلْعِشَاءَيْنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَقَدَّمَ خَائِفُ الْإِغْمَاءِ وَالنَّافِضُ وَالْمَيْدُ، وَاسْتَشْكَلَ الْقَرَافِيُّ طَلَبَ هَذَا الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ نَحْوِ الْإِغْمَاءِ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَجْمَعُ مَا لَمْ يَجِبْ بَلْ يَحْرُمُ التَّقَرُّبُ بِصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ لَمْ تَجِبْ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ حُصُولِ نَحْوِ الْإِغْمَاءِ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الْجَمْعِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ لَوْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِهَا وَهُوَ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ فَيُطْلَبُ إلْغَاؤُهُ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهَا تَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْأُولَى، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَيْضِ اسْتِغْرَاقُهُ الْوَقْتَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ يُمْكِنُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يُسْقِطُ الصَّلَاةَ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ خَافَ السَّلِيمُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَكْسَهُ وَهُوَ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ وَقْتَ الْأُولَى مِنْ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا عَكْسُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الْأُولَى إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ كَصَاحِبِ السَّلَسِ الَّذِي يُلَازِمُهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَنْقَطِعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ.

الثَّانِي: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَدْبِ التَّقْدِيمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَنَدْبُ التَّأْخِيرِ فِي عَكْسِهِ وَاضِحٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْوَقْتِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ فِي آخِرِهِ لَطَلَبَ مِنْهُ التَّأْخِيرَ، لَكِنْ يَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ اسْتِغْرَاقَهُ لِوَقْتِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ فَمَا وَجْهُ طَلَبِهِ بِهَا وَيُقَدِّمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا، وَجَوَابُهُ احْتِمَالُ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ.

الثَّالِثُ: لَوْ جَمَعَ الْمَرِيضُ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْأُولَى لِخَوْفِ زَوَالِ عَقْلِهِ أَوْ لِحُمَّى عِنْدَ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ سَنَدٌ يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ سَلَّمَ أَوْ قَدَّمَ وَلَمْ يَرْتَحِلْ أَوْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَنَزَلَ عِنْدَهُ فَجَمَعَ أَعَادَ الثَّانِيَةَ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي، وَمَحَلُّ الْإِعَادَةِ فِي الْفَرْعِ الثَّالِثِ إذَا جَمَعَ غَيْرَ نَاوٍ الِارْتِحَالَ، وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ، وَأَشَارَ إلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حَالَتَيْ الْمَرِيضِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ) كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>