للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهَا

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ فِي وِتْرٍ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَمَا جُعِلَ لَهُ مِنْ أُزْرَةٍ وَقَمِيصٍ

ــ

[الفواكه الدواني]

مِنْهُ مَا يَنْظُرُهُ الرَّجُلُ مِنْ مِثْلِهِ وَهُوَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَة، وَقِيلَ تَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ، قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُقَدَّمُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ أَقْرَبُ أَوْلِيَائِهِ ثُمَّ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ، وَهَلْ يَسْتُرُهُ أَوْ عَوْرَتَهُ تَأْوِيلَانِ فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمَيِّتِ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ أَخُوهُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ عَمُّهُ ثُمَّ ابْنُهُ وَالشَّقِيقُ وَعَاصِبُ النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي عِنْدَ مُشَاحَّةِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَرْتَبَةِ الِاجْتِمَاعُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَرِيبٌ فَالرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ لَكِنْ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِصِفَةِ الْغُسْلِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالتَّغْسِيلِ أَوْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ فَالْمَرْأَةُ الْمَحْرَمُ وَلَوْ بِالصِّهَارَةِ كَأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَةِ ابْنِهِ، وَيُقَدَّمُ مَحْرَمُ الرَّضَاعِ عَلَى مَحْرَمِ الصِّهَارَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ جَازَ لَهَا أَنْ تُيُمِّمَ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ إلَى مِرْفَقَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُيَمِّمَهَا إلَّا لِكُوعَيْهَا مَعَ شِدَّةِ مَيْلِ النِّسَاءِ إلَى الرِّجَالِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ كَمَا قَدَّمْنَا فِي مَبْحَثِ الْعَوْرَةِ، وَأَيْضًا شِدَّةُ حَيَاءِ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ وَلَا سِيَّمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ يُضْعِفُ الْأُنْثَى إلَيْهِ.

(تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ كَمَا يَجْرِي فِي الْغُسْلِ يَجْرِي فِي الصَّلَاةِ وَالنِّكَاحِ، وَيُقْضَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ بَيْنَ مَنْ يَتَقَدَّمُ وَمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِمَا عَرَفْت بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِي الْمُبَاشَرَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا غَسَّلَتْ مَحْرَمَهَا لَا تُبَاشِرُ بِيَدِهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ وَهُوَ عَوْرَتُهُ فَقَطْ أَوْ جَمِيعُ الْجَسَدِ بَلْ تَجْعَلُ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً، بِخِلَافِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ وَهُوَ بَقِيَّةُ الْجَسَدِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِي مُبَاشَرَتِهِ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ وَلَا نِسَاءَ مَعَهَا وَلَا مَحْرَمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتَةِ) الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الَّتِي لَا نِسَاءَ مَعَهَا رَجُلٌ (ذُو مَحْرَمٍ) وَلَوْ بِالصِّهْرِ (غَسَّلَهَا مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهَا) بِأَنْ يَجْعَلَهُ الْغَاسِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ مِنْ السَّقْفِ إلَى أَسْفَلَ بِحَيْثُ يَصِيرُ نَظَرُهُ إلَى الثَّوْبِ لَا إلَى جَسَدِهَا، وَيَصِلُ الْمَاءُ مِنْ خَلْفِ الثَّوْبِ وَيَجْعَلُ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ غَلِيظَةً، فَكَمَا لَا يَنْظُرُ إلَى جَسَدِهَا لَا يُبَاشِرُهُ بِيَدِهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ مَعْنَى سَتْرِ جَسَدِهَا جَعْلُ الثَّوْبِ عَلَى جَسَدِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَحْرَمِ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِ الْمَرْأَةِ الْمَحْرَمِ بَعْدَ تَعْلِيقِ الثَّوْبِ الْمَانِعِ مِنْ نَظَرِهِ إلَى جَسَدِهَا، وَبَعْدَ جَعْلِ خِرْقَةٍ غَلِيظَةٍ عَلَى يَدِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا غَسَّلَتْ مَحْرَمَهَا الذَّكَرَ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِهِ حَيْثُ لَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً كَثِيفَةً، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ وَهُوَ الْعَوْرَةُ فَقَطْ أَوْ جَمِيعُ الْجَسَدِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ.

وَأَمَّا لَوْ غَسَّلَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً لَجَازَ لَهَا مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا أَوْ الرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُمَا يُيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ» . وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُيَمِّمُ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ لِلْمِرْفَقَيْنِ وَالرَّجُلُ إنَّمَا يُيَمِّمُهَا إلَى كُوعَيْهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلًّا إذَا يَمَّمَ غَيْرَهُ يَمَسُّ وَجْهَهُ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ: وَانْظُرْ كَيْفَ جَازَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَمْسُ وَجْهِ الْآخَرِ بِيَدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، فَإِنْ قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَضَعَهَا عَلَى التُّرَابِ، قُلْت: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اقْتَصَرَ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْكُوعَيْنِ اهـ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ الْخِرْقَةِ وَلَا يَلْزَمُ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَإِنَّمَا جَازَ مَا ذُكِرَ مَعَ الْخِرْقَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا مُحْوِجَ إلَى مُجَاوَزَةِ كُوعَيْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُمَا سُنَّةٌ، وَلَا يُسْتَبَاحُ الْمُحَرَّمُ بِفِعْلِ سُنَّةٍ وَتَأَمَّلْهُ.

١ -

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ الْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةِ وَعَلَى الذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ وَسَكَتَ عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ يَمُوتُ وَلَا مَحْرَمَ لَهُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إلَّا سَيِّدٌ ذَكَرٌ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ مَالِهِ تُغَسِّلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَا تُورَثُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَا وُصُولَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ وَيُدْفَنُ، وَيَنْبَغِي إذَا يَمَّمَهُ رَجُلٌ أَنْ يُيَمِّمَهُ إلَى كُوعَيْهِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ يَمَّمَتْهُ امْرَأَةٌ يَمَّمَتْهُ إلَى مِرْفَقَيْهِ بِالْأَوْلَى مِنْ الرَّجُلِ الْمُحَقَّقِ.

١ -

الثَّانِي: لَوْ يَمَّمْنَ النِّسَاءُ الْمَيِّتَ الذَّكَرَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ غَسَّلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَالنِّسَاءُ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ، هَذَا مَا ارْتَضَاهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ

. الثَّالِثُ: لَوْ يُمِّمَ الْمَيِّتُ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ قَالَ الطِّخِّيخِيُّ: إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ غُسِّلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَلَا اهـ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ: وَبِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيه إلَّا أَنْ يَفْرُقَ بِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ أَمْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ طَلَبِ الْإِسْرَاعِ بِدَفْنِ الْأَمْوَاتِ وَحَرِّرْهُ.

١ -

الرَّابِعُ: لَوْ تَعَذَّرَ التَّغْسِيلُ وَالتَّيَمُّمُ يُدْفَنُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ خَلِيلٍ وَتَلَازُمًا وَارْتَضَاهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا اللَّقَانِيُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَأَجَابَ عَنْ خَلِيلٍ بِأَنَّ مُرَادَهُ تَلَازُمًا أَيْ غَالِبًا، وَأَمَّا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَغْسِيلٍ مَعَ تَيَسُّرِ الْغُسْلِ بَلْ لِسَهْوٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُدْفَنَ فَفِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>