بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ
وَالتَّكْبِيرُ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أُولَاهُنَّ وَإِنْ رَفَعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فَلَا بَأْسَ
وَإِنْ شَاءَ دَعَا بَعْدَ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) كَيْفِيَّةِ (الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ اتِّفَاقًا وَهُوَ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِكَسْرِهَا عَلَى الْأَفْصَحِ؛ لِأَنَّ فَعَالَةَ بِالْفَتْحِ أَوْ الْكَسْرِ أَوْ الضَّمِّ تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فَعَاله وَشِبْهُهُ ذَا تَاءٍ أَوْ مُزَالَهُ كَسَحَابَةٍ وَرِسَالَةٍ وَكُنَاسَةٍ وَعَجُوزٍ وَصَحِيفَةٍ، فَهَذِهِ كُلُّهَا تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَحْدَهُ وَعَلَى النَّعْشِ وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا خُصُوصُ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ.
(وَ) فِي ذِكْرِ (الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) وَاسْتَشْكَلَ ذِكْرُ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نِيَّةٍ وَتَكْبِيرٍ وَدُعَاءٍ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ وَسَلَامٍ وَقِيلَ وَقِيَامٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَهُوَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَا يُقَالُ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالدُّعَاءُ لَهَا بَدَلُ قَوْلِهِ لِلْمَيِّتِ لِيَكُونَ الضَّمِيرُ مُطَابِقًا لِلْجَنَائِزِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا جَمْعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَتْ الْجَنَائِزُ تُطْلَقُ عَلَى الْأَمْوَاتِ فَقَطْ وَعَلَى النُّعُوشِ وَالْأَمْوَاتِ عَلَيْهَا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَلَى بُعْدِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى النُّعُوشِ مَعَ الْأَمْوَاتِ، مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَى نُعُوشٍ، وَأَفْرَدَ الْمَيِّتَ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْجَنَائِزِ لِلْجِنْسِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ جُمَلٍ أَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَدَلِيلُ الْفَرِيضَةِ مَفْهُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَفْهُومُ ضِدُّ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
(تَنْبِيهَانِ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ إمَامًا، وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ، ثُمَّ الْخَلِيفَةُ لَا فَرْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ خُطْبَةٍ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ كَالنِّكَاحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالثَّانِي: شُرُوطُهَا كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ ذَاتِ الْأَرْكَانِ، وَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ، وَتَجِبُ قَبْلَ دَفْنِهِ فَإِنْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ حَيْثُ لَمْ يُتَيَقَّنْ ذَهَابُهُ وَلَوْ بِأَكْلِ السَّبُعِ كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهَا جَمَاعَةٌ بَلْ تُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَإِذَا حَصَلَ لِلْإِمَامِ مُوجِبُ الِاسْتِخْلَافِ اسْتَخْلَفَ، وَإِذَا ذَكَرَ فَائِتَةً تَمَادَى عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ أَمْرِهَا، وَطَلَبُ الْإِسْرَاعِ بِالْجَنَائِزِ وَأَرْكَانِهَا الْمُتَّفِقِ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ: النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرُ وَالدُّعَاءُ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَلَوْ مِنْ الْمَأْمُومِ وَتَسْلِيمَةٌ خَفِيفَةٌ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ الْقِيَامُ إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا مِنْ جُلُوسٍ أَوْ رُكُوبٍ اخْتِيَارًا أُعِيدَتْ، هَكَذَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَابْنُ الْحَاجِّ وَزَرُّوقٌ وَالْقَرَافِيُّ وَسَنَدٌ بِنَاءً عَلَى فَرْضِيَّتِهَا،
وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْكَانِ إلَّا التَّكْبِيرَ وَالدُّعَاءَ وَالسَّلَامَ حَيْثُ قَالَ: (وَ) عَدَدُ (التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ وَلَوْ مَأْمُومًا، وَتُمْنَعُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. فِي زَمَنِ عُمَرَ عَلَى أَرْبَعٍ، وَاسْتَقَرَّ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَرْبَعِ، وَمَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، فَلَوْ زَادَ الْإِمَامُ عَلَى الْأَرْبَعِ لَمْ يَنْظُرْهُ مَأْمُومُهُ بَلْ يُسَلِّمُ قَبْلَهُ سَوَاءٌ زَادَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَسَوَاءٌ كَانَ يَرَى الزِّيَادَةَ مَذْهَبًا أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ تَبَعًا لِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلَوْ أَتَى الْمَأْمُومُ بِالرَّابِعَةِ، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَ الْإِمَامُ سَاهِيًا سَبَّحَ لَهُ الْمَأْمُومُ فَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ كَمَّلَ صَلَاتَهُ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ وَطَالَ إلَّا أَنْ تَذَكَّرَ بِالْقُرْبِ فَيَبْنِي بِأَنْ يَرْجِعَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ يُكْمِلُهَا بِتَكْبِيرِ الرَّابِعَةِ إنْ سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ يُسَلِّمُ بَعْدَ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا سُجُودُ سَهْوٍ فِي زِيَادَةِ كَلَامٍ أَوْ سَلَامٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ فِي ذَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute