للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْتَغِينَ بِهِمْ بَدَلًا وَالرَّجُلُ قَدْ يَكُونُ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَزْوَاجٌ

وَلَا بَأْسَ أَنْ تُجْمَعَ الْجَنَائِزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَيَلِي الْإِمَامَ الرِّجَالُ إنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا جُعِلَ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَجُعِلَ مِنْ دُونِهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلُوا صَفًّا وَاحِدًا وَيُقَرِّبُوا إلَى الْإِمَامِ

ــ

[الفواكه الدواني]

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْمَيِّتُ هَلْ هُوَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ حَضَرَ وَيَقْطَعَ النَّظَرَ عَنْ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ فِي هَذَا النَّعْشِ، وَيَتَمَادَى فِي الدُّعَاءِ عَلَى التَّذْكِيرِ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْرَادِ، وَيَجْمَعُ عِنْدَ اعْتِقَادِ الْجَمْعِ، وَيُفْرِدُ عِنْدَ الشَّكِّ عَلَى مَعْنَى مَنْ حَضَرَ فِي هَذَا النَّعْشِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَعَلَى الْمُتَعَدِّدِ الْمُحَقَّقِ وَالْمُشْكِلِ فَتَقُولُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْمُثَنَّى: اللَّهُمَّ إنَّهُمَا عَبْدَاك أَوْ أَمَتَاك، وَفِي الْجَمْعِ: اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عَبِيدُك وَأَبْنَاءُ عَبِيدِك، وَفِي الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ: اللَّهُمَّ إنَّهُنَّ إمَاؤُك وَبَنَاتُ إمَائِك وَبَنَاتُ عَبِيدِك، وَإِنْ اجْتَمَعَ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ غَلَّبَ الْمُذَكَّرَ عَلَى الْمُؤَنَّثِ.

١ -

الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ عَنْ مَا لَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ وَحِدَةَ الْجِنَازَةِ وَظَنَّ الْمَأْمُومُونَ التَّعَدُّدَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ عَلَى اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِينَ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا أُعِيدَتْ عَلَى مَنْ عَدَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا ظَنَّهُ الْإِمَامُ، وَلِذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ أَنَّ الَّذِي فِي النَّعْشِ جَمَاعَةٌ وَاعْتَقَدَ الْمَأْمُومُونَ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ وَتَبَيَّنَ مُطَابَقَةُ اعْتِقَادِ الْإِمَامِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَا تُعَادُ، كَمَا لَا تُعَادُ إذَا ظَنَّ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ أَنَّ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَقَلُّ مِمَّا نَوَى، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيمَا سَبَقَ مَا يُغْنِي عَنْ الْإِعَادَةِ فَرَاجِعْهُ.

ثُمَّ أَكَّدَ تَعْلِيلَ النَّهْيِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ: (وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ) أَيْ مَحْبُوسَاتٌ (عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْغِينَ) أَيْ لَا يَرْضِينَ (بِهِمْ بَدَلًا) ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا إكْرَاهَ فِيهَا وَلَا حُزْنَ، وَإِنَّمَا الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَنَيْلُ مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُسُ، وَأَفْضَلُ خِصَالِ الْمَرْأَةِ حُبُّهَا لِزَوْجِهَا وَهِيَ صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ قَلْبُهَا فِيهَا بِغَيْرِ حُبِّ زَوْجِهَا، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ نِسَاءَ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ كَانَ مَظِنَّةَ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَمَّا الرَّجُلُ فَهَلْ كَذَلِكَ؟ قَالَ فِي الْجَوَابِ: (وَالرَّجُلُ) لَيْسَ كَالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ (قَدْ يَكُونُ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ) زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا كَثْرَةُ النِّسَاءِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الرِّجَالِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ: «اطَّلَعْت عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الرِّجَالَ، وَاطَّلَعْت عَلَى النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْأَزْوَاجِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَشْمَلُ الْحُورَ الْعِينَ، وَلَا يَضُرُّ فِي هَذَا خَبَرُ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ أَنَّهُ يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعَةَ آلَافِ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ أَيِّمٍ وَمِائَةَ حَوْرَاءَ لِإِمْكَانِ حَمْلِ كُلِّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ لَا الْجَمِيعِيِّ، وَإِنْ جُعِلَتْ قَدْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّقْلِيلِ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِشْكَالُ. (وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ) (فِي الْجَنَّةِ أَزْوَاجٌ) بَلْ وَلَا اثْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَنْفِرُ مِنْهُ الطَّبْعُ لَا لِحُرْمَةِ ذَلِكَ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَزَوَّجُ الْإِنْسَانُ بِنَحْوِ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ لِكَرَاهَةِ النَّفْسِ ذَلِكَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْأَمْوَاتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ) أَيْ يُسْتَحَبُّ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَنْ تُجْمَعَ الْجَنَائِزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ) لِفِعْلِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ زَوْجُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَوَلَدُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِمَا صَلَاةً وَاحِدَةً، وَكَانَ الْمُوَالِي لِلْإِمَامِ زَيْدٌ وَالْمُتَوَلِّي لِلصَّلَاةِ إمَامًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَخُو زَيْدٍ لِأَبِيهِ، وَكَانَ هُنَاكَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَهُمْ أَخَوَا أُمِّ كُلْثُومٍ وَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مِنْهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَلِيُّ الذَّكَرِ، هَكَذَا قَالَ بَعْدَ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَةَ الْأَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَأَفْضَلُ وَلِيٍّ وَلَوْ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَبَالَغَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ وَلِيِّ الرَّجُلِ عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَلَوْ مَفْضُولًا، مُتَمَسِّكًا بِقَضِيَّةِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَوَلَدِهَا زَيْدٍ لَمَّا مَاتَا وَصَلَّى وَلِيُّ زَيْدٍ إمَامًا.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا حُجَّةَ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحُسَيْنَ إنَّمَا قَدَّمَ ابْنَ عُمَرَ لِسِنِّهِ وَلِإِقْرَارِهِ بِفَضْلِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ قَالَهُ الْمَوَّاقُ، وَلَمَّا قَدَّمَ هُوَ الْأَفْضَلَ جَمْعَ الْجَنَائِزِ فِي الصَّلَاةِ ذَكَرَ هُنَا كَيْفِيَّةَ وَضْعِهِمْ أَمَامَ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُنْدَبُ أَنْ (يَلِيَ الْإِمَامَ) فِي حَالِ الصَّلَاةِ (لِرِجَالٍ) فَاعِلُ يَلِي وَظَاهِرُهُ غَيْرُ صَالِحِينَ (إنْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ الْجَنَائِزِ (نِسَاءٌ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا) وَنِسَاءً وَمَعَهُمْ أَطْفَالٌ (جُعِلَ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَجُعِلَ مَنْ دُونَهُ) فِي الْفَضْلِ مِنْ (النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ) الْفَاضِلُ مُتَرَتِّبِينَ صَفًّا وَاحِدًا (إلَى الْقِبْلَةِ) بِحَيْثُ يَصِيرُ الْجَمِيعُ أَمَامَ الْإِمَامِ، يَلِي الْإِمَامَ الرَّجُلُ، وَالطِّفْلُ خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْجَمِيعِ.

قَالَ خَلِيلٌ: يَلِي الْإِمَامَ رَجُلٌ فَطِفْلٌ فَعَبْدٌ فَخَصِيٌّ فَخُنْثَى كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى كَيْفِيَّةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلُوا صَفًّا وَاحِدًا) مُمْتَدًّا مِنْ الشَّرْقِ إلَى الْغَرْبِ. (وَيُقَرَّبُ إلَى الْإِمَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>