للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ ضَرُورَةٌ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَمَنْ سَافَرَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَظَنَّ أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ

وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ

ــ

[الفواكه الدواني]

أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ وَهُوَ مُسَافِرٌ (سَفَرًا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) بِأَنْ كَانَ مُبَاحًا وَمَسَافَتُهُ أَرْبَعُ بُرُدٍ ذَهَابًا بِأَنْ قُصِدَتْ دَفْعَةً (فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ) أَيْ تَلْحَقُهُ (ضَرُورَةٌ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» (وَ) لَكِنَّ (الصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيْنَا) مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَفِطْرُهُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] وَلَا يُشْكَلُ عَلَيْهِ أَفْضَلِيَّةُ قَصْرِ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِتْمَامِ لِأَنَّ الذِّمَّةَ تَبْرَأُ مَعَ الْقَصْرِ، بِخِلَافِ الْفِطْرِ لَا بَرَاءَةَ مَعَهُ فَفَضْلُ الصِّيَامِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَحَبُّ إلَيْنَا إلَى الرَّدِّ عَلَى ابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْأَفْضَلَ الْفِطْرُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَأَجَابَ أَصْحَابُ الْمَشْهُورِ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ أَوَّلَتْ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَيَتَضَرَّرُ بِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِنَحْوِ الْقِتَالِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ» وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى الْجَائِزِ: وَفِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ وَإِلَّا قَضَى وَلَوْ تَطَوُّعًا وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرِهِ، وَمَعْنَى الشُّرُوعِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَصِلَ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمَعْنَى الْفِطْرِ قَبْلَ الْفَجْرِ تَبْيِيتُ الْفِطْرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْفَجْرَ يَطْلُعُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ بَدْئِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَبْيِيتُ الْفِطْرِ وَإِنْ بَيَّتَهُ كَفَّرَ وَلَوْ مُتَأَوِّلًا، وَكَأَنَّ جَوَازَ تَبْيِيتِ الْفِطْرِ مَشْرُوطٌ بِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُجَاوِزُ مَحَلَّ بَدْءِ الْقَصْرِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْيِيتُ الصَّوْمِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَالْحَاضِرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ يَصِلُ إلَّا مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ قَبْلَ الْفَجْرِ يَجُوزُ لَهُ تَبْيِيتُ الْفِطْرِ، فَإِنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَبْيِيتِ الصَّوْمِ، فَإِنْ أَفْطَرَ اخْتِيَارًا كَفَّرَ، وَأَمَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَّا إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْيِيتُ الصَّوْمِ، فَإِنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ كَفَّرَ وَلَوْ كَانَ مُتَأَوِّلًا لِأَنَّهُ رَفَعَ نِيَّةَ الصَّوْمِ نَهَارًا، وَأَمَّا لَوْ بَيَّتَ الصَّوْمَ عَمَلًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ إنْ أَفْطَرَ قَبْلَ عَزْمِهِ عَلَى السَّفَرِ وَلَوْ تَأَوَّلَ، وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ، وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ عَزْمِهِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَوِّلًا كَفَّرَ وَإِلَّا فَلَا إنْ سَافَرَ مِنْ يَوْمِهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: يَقْطَعُ جَوَازَ الْفِطْرِ مَا يَقْطَعُ جَوَازَ قَصْرِ الصَّلَاةِ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَقَطَعَهُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ وَلَوْ بِخِلَالِهِ إلَّا لِعَسْكَرٍ بِدَارِ الْحَرْبِ.

الثَّانِي: مَنْ أَرَادَ إدَامَةَ الصَّوْمِ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِانْقِطَاعِ وُجُوبِ التَّتَابُعِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ.

الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَافَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ لِأَجْلِ الْفِطْرِ وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ قَائِلًا: لَوْ تَعَمَّدَ السَّفَرَ لِأَجْلِ الْإِفْطَارِ كَمَنْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ لِحَيْضٍ فَحَاضَتْ أَوْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ لِيُسْقِطَ عَنْهُ الْحَجَّ أَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ لِيُصَلِّيَهَا مَقْصُورَةً فِي السَّفَرِ، اللَّخْمِيُّ: وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مَأْثُومٌ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ وَلَا يُصَلِّي أَرْبَعًا وَلَا تَقْضِي الْحَائِضُ، لَكِنْ يُنَاقِضُ ذَلِكَ مَنْ أَبْدَلَ إبِلًا بِذَهَبٍ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، أَوْ مَنْ جَمَعَ أَوْ فَرَّقَ فِي الْخَلْطَةِ فِرَارًا، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ الْمُعَامَلَةُ بِنَقِيضِ الْقَصْدِ الْفَاسِدِ.

قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَفِطْرُ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْحَرَامِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْحَطَّابِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَصْرِ جَوَازِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ عَلَى سَفَرِ الْقَصْرِ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ أَفْطَرَ فِي غَيْرِهِ مُطْلَقًا قَالَ: (وَمَنْ سَافَرَ أَقَلَّ مِنْ) مَسَافَةِ (أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَظَنَّ أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ انْتِهَاكِهِ بَلْ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ وَهُوَ مَا اسْتَنَدَ صَاحِبُهُ لِسَبَبٍ مَوْجُودٍ (وَ) إنَّمَا (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ) مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ (وَ) مِثْلُهُ (كُلُّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا) تَأْوِيلًا قَرِيبًا (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) وَمَثَّلَ خَلِيلٌ لِأَصْحَابِ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ بِقَوْلِهِ: لَا إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ أَوْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا فَظَنَّ الْإِبَاحَةَ، بِخِلَافِ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ وَهُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ كَرًّا وَلَمْ يَقْبَلْ أَوْ لِحُمَّى ثُمَّ حُمَّ أَوْ الْحَيْضِ ثُمَّ حَصَلَ أَوْ حِجَامَةٍ أَوْ غَيْبَةٍ، وَكَذَا مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَلَمْ يَرْفَعْ شَهَادَتَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا مَنْ أَكَلَ بَعْدَ ثُبُوتِ الصَّوْمِ نَهَارًا مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مِمَّنْ ذَكَرَ الْكَفَّارَةَ وَلَوْ أَفْطَرَ ظَانًّا الْإِبَاحَةَ، إلَّا مَنْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ وَأَفْطَرَ ظَانًّا الْإِبَاحَةَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>