للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّائِمُ النِّسَاءَ بِوَطْءٍ وَلَا مُبَاشَرَةٍ وَلَا قُبْلَةٍ لِلَذَّةٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي لَيْلِهِ

وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا مِنْ الْوَطْءِ

وَمَنْ الْتَذَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ فَأَمْذَى لِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى أَمْنَى فَعَلَيْهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

يُطْلَبُ مِنْهُ (أَنْ يَحْفَظَ) أَيْ يَصُونَ (لِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ) عَمَّا لَا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ، وَعَطْفُ الْجَوَارِحِ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ اقْتِصَارِ خَلِيلٍ عَلَى اللِّسَانِ حَيْثُ قَالَ: وَكَفُّ لِسَانٍ، وَفَسَّرْنَا يَنْبَغِي بِيُطْلَبُ؛ لِأَنَّ مَا لَا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبُ التَّرْكِ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَمِنْهُ مَا تَرْكُهُ مَنْدُوبٌ وَهُوَ كُلُّ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَوْ مُبَاحًا لِغَيْرِ الصَّائِمِ كَتَرْكِ الْإِكْثَارِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ، وَإِنَّمَا خُصَّ رَمَضَانُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِيهِ أَشَدُّ، إذْ الْمَعَاصِي تُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَمَنْ عَصَى اللَّهَ فِي الْحَرَمِ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِمَّنْ عَصَاهُ خَارِجًا عَنْهُ، وَمَنْ عَصَاهُ فِي مَكَّةَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِمَّنْ عَصَاهُ فِي خَارِجِهَا، وَالْجَوَارِحُ سَبْعَةٌ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَاللِّسَانُ بَعْضُهَا، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ مَعَ دُخُولِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا آفَةً، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَأَيْت قَسَاوَةً فِي قَلْبِك وَوَهَنًا فِي بَدَنِك وَحِرْمَانًا فِي رِزْقِك فَاعْلَمْ أَنَّك تَكَلَّمْت فِيمَا لَا يَعْنِيك، فَبِالْجُمْلَةِ اللِّسَانُ شَرُّ الْجَوَارِحِ، فَإِنْ اسْتَقَامَ اسْتَقَامَتْ الْجَوَارِحُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ: «إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ فَقَدْ كَمُلَ نِصْفُ الدِّينِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي» قِيلَ: النِّصْفُ الْبَاقِي اللِّسَانُ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ أَنْ يُقِلُّوا الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَجْهَلُ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ» وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَالْفُحْشُ مِنْ الْقَوْلِ وَكَلَامُ النِّسَاءِ فِي الْجِمَاعِ، وَقَوْلُهُ: «فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ» أَيْ بِلِسَانِ حَالِهِ لَا بِلِسَانِ مَقَالِهِ.

(وَ) مِمَّا يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَيْضًا أَنْ (يُعَظِّمَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ؛ " مِنْ " زَائِدَةٌ " وَمَا " مَوْصُولَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَظِّمَ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي عَظَّمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذْ أَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْآنَ وَأَنْزَلَ فِيهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَعْظِيمِهِ، وَخَصَّهُ بِإِيجَابِ الصَّوْمِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَتَعْظِيمُ الصَّائِمِ لَهُ بِتَمْيِيزِهِ بِفِعْلِ الْمَبَرَّاتِ وَكَثْرَةِ الْعِبَادَاتِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَصَحَّحَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِادِّعَاءِ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي وَهَذِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُعَظِّمُ، وَالْمَعْنَى: وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَظِّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ، وَتَعْظِيمُهَا بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيُكْرَهُ تَعْظِيمُهُ بِغَيْرِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ كَكَثْرَةٍ وَقَيْدِ النَّارِ فِي الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقِهَا بِبَعْضِ فُرُشٍ نَفِيسَةٍ

(وَ) يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ وَلَوْ غَيْرَ رَمَضَانَ أَنْ (لَا يَقْرَبَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ (الصَّائِمُ النِّسَاءَ بِوَطْءٍ وَلَا مُبَاشَرَةٍ وَلَا قُبْلَةٍ لِلَذَّةٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) لِأَنَّ قُرْبَ النِّسَاءِ ذَرِيعَةٌ إلَى إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ عَيْنُ الْحُكْمِ وَمُحَصِّلُهُ: إنَّ قُرْبَهُنَّ بِوَطْءٍ حَرَامٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ فَمَكْرُوهٌ مَعَ عِلْمِ السَّلَامَةِ وَحَرَامٌ عِنْدَ عَدَمِ عِلْمِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ وَفِكْرٍ إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ، وَقَوْلُنَا: وَلَوْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِصِيَامِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ. (وَ) مَفْهُومٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنَّهُ (لَا يَحْرُمُ) وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ (ذَلِكَ) أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ وَطْءٍ وَغَيْرِهِ (عَلَيْهِ فِي لَيْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧] اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا أَوْ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ، فَيَسْتَوِي عِنْدَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا وَلَوْ لَيْلًا.

(تَنْبِيهٌ) اعْتَرَضَ ابْنُ الْفَخَّارِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَيَّدَ الْقُبْلَةَ بِكَوْنِهَا اللَّذَّةَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إبَاحَتَهَا بِدُونِ اللَّذَّةِ، مَعَ أَنَّ اللَّذَّةَ قَدْ تَحْدُثُ عِنْدَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بِقَصْدِهَا فَالصَّوَابُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا عِنْدَ عِلْمِ عَدَمِ السَّلَامَةِ، وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ عِلْمِ السَّلَامَةِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ وَفِكْرٍ إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا حَرُمَتْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ النَّهْيُ عَنْ الْقُبْلَةِ لِكُلِّ صَائِمٍ وَلَوْ نَقْلًا لِحُرْمَةِ إبْطَالِ التَّطَوُّعَاتِ عِنْدَنَا اخْتِيَارًا، كَمَا أَنَّ ظَاهِرَهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّائِمُ شَابًّا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنْ التَّفَكُّرَ أَوْ النَّظَرَ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَجَعَلَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ كَالْقُبْلَةِ وَخَلِيلٌ أَيْضًا، وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ النَّظَرَ الْمُسْتَدَامَ كَالْقُبْلَةِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ ابْنِ الْفَخَّارِ بِتَصَرُّفٍ وَإِيضَاحٍ، وَأَقُولُ: كَلَامُ ابْنِ الْفَخَّارِ الْمُتَضَمِّنُ عَدَمَ جَوَازِ الْقُبْلَةِ وَلَوْ لِغَيْرِ قَصْدِ اللَّذَّةِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ خَلِيلٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الشَّاذِلِيُّ فَتَمَحَّلَ لِلْمُصَنِّفِ جَوَابًا وَقَالَ: كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلَذَّةٍ عِنْدَ الْقُبْلَةِ لِلْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ مِمَّا لَا الْتِذَاذَ بِهِ عَادَةً، وَارْتَضَى تَقْيِيدَهُ الْأُجْهُورِيُّ فَلَا يُنَافِي عَدَمَ جَوَازِهَا لِغَيْرِ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ قَصْدِ اللَّذَّةِ.

(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْبِحَ) الصَّائِمُ (جُنُبًا مِنْ الْوَطْءِ) وَأَوْلَى مِنْ الِاحْتِلَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْجَائِزِ: وَإِصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ وَالْمُرَادُ بِلَا بَأْسٍ وَبِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>