للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَرَطْت لَك ذِكْرَهُ: بَابًا: بَابًا: لِيَقْرَبَ مِنْ فَهْمِ مُتَعَلِّمِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَإِيَّاهُ نَسْتَخِيرُ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.

، وَلَا حَوْلَ

ــ

[الفواكه الدواني]

هَلْ يُؤَاخَذُ بِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] أَوْ لَا؟ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّ مَا خَطَرَ بِقَلْبِ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ فَهُوَ يُحَاسَبُ بِهِ وَلَا كَلَامَ، لَكِنْ مَعَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ خُطُورِهِ فِي الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَذَلِكَ كَالرِّيَاءِ وَالشِّرْكِ وَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَبُغْضِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَحَبَّةِ الْكَافِرِينَ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ بَعْضُ الْجَوَارِحِ كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَمَا شَابَهَهُمَا فَإِنْ خَطَرَ وَانْصَرَفَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ أَيْضًا بَلْ قِيلَ: يُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ وَوَارَاهُ فِي ضَمِيرِهِ وَعَقَدَتْ عَزِيمَتُهُ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُكْتَبُ عَلَيْهِ.

الثَّالِثُ: كَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَنْ مَحَلِّ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَالَ الرَّسُولُ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ بِأَتَمِّ بَيَانٍ إنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى رَأْفَةً بِالطَّالِبِ فَنَقُولُ: أَمَّا سُبْحَانَ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُلَازِمَةِ لِلنَّصْبِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُ أَوْ سَبَحَ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي سُبْحَانَ اللَّهِ هَلْ هُوَ مَصْدَرٌ أَوْ اسْمُ مَصْدَرٍ فَيَكُونُ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً بَيْنَ فَرَضَ وَصِلَتِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَى الْقُلُوبِ، وَنُكْتَةُ الِاعْتِرَاضِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّنْزِيهِ لِأَنَّ سُبْحَانَ عَلَمٌ عَلَى التَّسْبِيحِ الَّذِي هُوَ التَّنْزِيهُ تَقُولُ: سَبَّحْت اللَّهَ بِمَعْنَى نَزَّهْته تَنْزِيهًا بَلِيغًا مِنْ سَبَحَ إذَا ذَهَبَ وَبَعُدَ لِأَنَّك بَعُدْت مِنْ سُبْحَتِهِ عَمَّا نَزَّهْته عَنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمُعْتَرِضَةَ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ، وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَرِضَةٌ لِإِنْشَاءِ الثَّنَاءِ أَوْ الدُّعَاءِ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ حَالًا وَلَا نَعْتًا، فَاحْرِصْ عَلَيْهَا فَقَلَّمَا تَجِدُهَا عَلَى هَذَا الْبَيَانِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهِ لِلْمَسَائِلِ هَلْ هِيَ مُفَصَّلَةٌ فِي أَبْوَابٍ أَوْ مُجْمَلَةٍ فَقَالَ: (وَسَأُفَصِّلُ) أَيْ أُفَرِّقُ (لَك) يَا مُخَاطَبُ لِأَنَّك السَّائِلُ فِي كِتَابَتِهَا (مَا شَرَطْت) أَيْ الْتَزَمْت (لَك ذِكْرَهُ) بِإِجَابَتِي لَك حِينَ سَأَلْتنِي، لِأَنَّ الْإِجَابَةَ فِي مَعْنَى الْتِزَامِ الْوَفَاءِ بِمَطْلُوبِ السَّائِلِ حَالَةَ كَوْنِهِ مُفَصَّلًا (بَابًا بَابًا) فَبَابًا حَالٌ مِنْ مَا الْمَفْعُولُ، وَيَصِحُّ جَعْلُهُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ أُفَصِّلُ، وَالْمَعْنَى: وَسَأُفَصِّلُ لَك الَّذِي الْتَزَمْته بِإِجَابَتِي لَك حَالَ كَوْنِهِ أَوْ حَالَ كَوْنِي مُفَصِّلًا بَابًا بَعْدَ بَابٍ وَصَحَّ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مَعَ جُمُودِهِ لِتَأَوُّلِهِ بِمُفَصَّلًا كَمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَيَكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ وَفِي ... مُبْدِي تَأَوَّلَ بِلَا تَكَلُّفٍ

فَهُوَ مِثْلُ: اُدْخُلُوا رَجُلًا رَجُلًا.

قَالَ الْمُرَادِيُّ فِيهِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ وَمَا قَبْلَهُ مَنْصُوبَانِ بِالْعَامِلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَجْمُوعَهُمَا هُوَ الْحَالُ، وَنَظِيرُهُ فِي الْخَبَرِ الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ حُلْوٍ وَحَامِضٍ خَبَرٌ، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ بَابِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِيَّةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ بَابًا بَابًا وَحُلْوٍ حَامِضٍ فِي أَنَّ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ هُوَ الْحَالُ فِي الْأَوَّلِ وَخَبَرٌ فِي الثَّانِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَابًا الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا حُلْوٌ حَامِضٌ فَالِاثْنَانِ فِي مَعْنَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُزٌّ لِمَا يَشْهَدُ بِهِ الْحِسُّ وَالْوِجْدَانُ، وَعِدَّةُ أَبْوَابِهَا أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَابًا بَعْضُهَا مَلْفُوظٌ بِهِ وَبَعْضُهَا مُقَدَّرٌ، وَعِدَّةُ مَسَائِلِهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مَسْأَلَةٍ مَأْخُوذَةٍ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ حَدِيثٍ وَقِيلَ أَرْبَعُمِائَةِ حَدِيثٍ بَدَلَ أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَإِنَّمَا فَصَّلَهَا أَبْوَابًا (لِيَقْرُبَ) أَيْ مَا ذَكَرْته أَيْ مَعْنَاهُ (مِنْ فَهْمِ مُتَعَلِّمِيهِ) وَلِيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَلِأَنَّهُ أَنْشَطُ لِلطَّالِبِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أُفَصِّلُ وَمَا بَعْدَهُ.

وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ وَإِنْ كَانَ أَوْفَرَ عَقْلًا لَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ ثَوَابًا قَالَ: (وَإِيَّاهُ) أَيْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا غَيْرُهُ، وَعَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ (نَسْتَخِيرُ) أَيْ نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُقَدِّرَ لَنَا ارْتِكَابَ مَا هُوَ خَيْرٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِتْيَانِ بِأَلْفَاظِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ نَأْتِي بِهَا هَلْ هِيَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاخْتِصَارِ أَوْ بَيْنَ بَيْنَ، وَلَيْسَتْ الِاسْتِخَارَةُ فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّهَا خَيْرٌ يُقَدَّمُ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَأَيْضًا الِاسْتِخَارَةُ فِي الشُّرُوعِ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَإِنَّمَا الِاسْتِخَارَةُ الْمَطْلُوبَةُ الْآنَ فِي صِفَةِ الْإِتْيَانِ فَسَقَطَ مَا قَدْ يُقَالُ: الْإِنْسَانُ إنَّمَا يَسْتَخِيرُ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَالْمُصَنِّفُ شَرَعَ فَكَيْفَ يَسْتَخِيرُ الْآنَ؟ وَحُكْمُ الِاسْتِخَارَةِ النَّدْبُ فِي كُلِّ أَمْرٍ تُجْهَلُ عَاقِبَتُهُ، فَإِنَّ فِيهَا تَسْلِيمَ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيَخْتَارَ لَهُ تَعَالَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَتَكُونُ الِاسْتِخَارَةُ بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، ثُمَّ يَمْضِي لِمَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُهُ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِأَمْرٍ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>