للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُجْمَعُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي الزَّكَاةِ فَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةُ دَنَانِيرَ فَلْيُخْرِجْ مِنْ كُلِّ مَالٍ رُبْعَ عُشْرِهِ

وَلَا زَكَاةَ فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

يَخْرُجُ هَذَا الْعَدَدُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُ حَبَّاتٍ، فَاتَّفَقَتْ السَّبْعَةُ دَنَانِيرَ وَالْعَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عِدَّةِ الْحُبُوبِ، وَحَاصِلُ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدِّرْهَمَ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الدِّينَارِ، وَالدِّينَارُ مِثْلُ الدِّرْهَمِ وَثَلَاثَةِ أَسْبَاعٍ مِثْلِهِ، فَكُلُّ سَبْعَةِ دَنَانِيرَ وَزْنُهَا وَزْنُ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ دَنَانِيرَ، وَقَوْلُنَا: بَيَّنَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ: مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ بَيَانَ نَوْعِ دَنَانِيرِ الزَّكَاةِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ، وَالْأَصْلُ فِي الصِّفَةِ الِاتِّصَالُ بِالْمَوْصُوفِ فَالْمُتَعَيِّنُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلِذَلِكَ تَعَقَّبَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ أَحَالَ فِيهِ مَجْهُولًا عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَ الدِّرْهَمِ لَا وَزْنَ الدِّينَارِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ أَحَالَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الدَّنَانِيرِ، وَقَوْلُهُ أَعْنِي يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الدَّنَانِيرَ يُفَسِّرُهَا بِالدَّرَاهِمِ فَهِيَ مِنْ مُشْكِلَاتِ الرِّسَالَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَغَيْرُهُ. (فَإِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ) الَّتِي وَزْنُ كُلِّ عَشْرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ دَنَانِيرَ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا رُبْعُ عُشْرِهَا) وَهُوَ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) ؛ لِأَنَّ عُشْرَ الْمِائَتَيْنِ عِشْرُونَ وَالْخَمْسَةُ رُبْعُهَا، وَهَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَمَّا كَانَتْ الْعَيْنُ لَا وَقَصَ فِيهَا قَالَ: (فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ وَمُجْمَعٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ رُبْعُ الْعُشْرِ.

قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ: وَهَذَا فِيمَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ يُشْتَرَى بِهِ نَحْوُ طَعَامٍ مِمَّا يُمْكِنُ قَسْمُهُ عَلَى أَرْبَعِينَ جُزْءًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ عَفَوْت عَنْكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الْوَرِقِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ.

١ -

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْدِيدِ النِّصَابِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا عَرَفْت، وَأَمَّا بِالدَّرَاهِمِ الْمَصْرِيَّةِ فَالنِّصَابُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ لِنَقْصِ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ عَنْ الدِّرْهَمِ الْمَصْرِيِّ خَرُّوبَةً وَعُشْرَ خَرُّوبَةٍ وَنِصْفَ عُشْرِ خَرُّوبَةٍ، وَأَمَّا مِقْدَارُ النِّصَابِ مِنْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْأَنْصَافِ فَهُوَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ نِصْفًا وَثُلُثَا نِصْفٍ.

قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيِّنُ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا يُسَاوِي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيَّةٍ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْأَنْصَافَ لَا ضَبْطَ لَهَا لِاخْتِلَافِهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَكُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْوَزْنَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى الْعَدَدِ، إذْ الْأَنْصَافُ الْمَقْصُوصَةُ قَدْ لَا يَعْدِلُ الْأَلْفُ مِنْهَا وَزْنَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا مِقْدَارُهُ مِنْ الْقُرُوشِ فَيَنْضَبِطُ لِانْضِبَاطِهَا بِالْوَزْنِ، وَإِلَّا اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ نَوْعِهَا، فَالْكِلَابُ وَالرِّيَالُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَرُبْعٌ لِاتِّفَاقِهِمَا وَزْنًا، وَأَمَّا الْبَنَادِقَةُ فَالنِّصَابُ مِنْهَا عِشْرُونَ وَأَبُو طَافَّةَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ.

١ -

الثَّانِي: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَخْ أَنَّهَا لَوْ نَقَصَتْ عَنْ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُسْقِطُ لِلزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ النَّقْصُ الَّذِي يَحُطُّهَا فِي الرَّوَاجِ عَنْ زِنَةِ الْكَامِلَةِ لَا الَّذِي تَرُوجُ مَعَهُ كَالْكَامِلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُهَا قَالَ خَلِيلٌ مُبَالِغًا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ بِرَدَاءَةِ أَصْلٍ أَوْ إضَافَةٍ وَرَاجَتْ كَكَامِلَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَرُجْ كَالْكَامِلَةِ فَإِنَّ زَكَاتَهَا تَسْقُطُ إنْ كَانَ نَقْصُهَا حِسِّيًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعْنَوِيًّا فَيُعْتَبَرُ الْخَالِصُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ نِصَابًا زَكَّى وَإِلَّا فَلَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِلَّا حَسَبَ الْخَالِصِ، فَإِنْ قِيلَ: زَكَاةُ النَّاقِصَةِ الَّتِي تَرُوجُ كَالْكَامِلَةِ مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ تَحْدِيدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا تَقْرِيبٌ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ وَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَبْنُونَ مَشْهُورًا عَلَى ضَعِيفٍ، أَوْ أَنَّ النَّقْصَ الْيَسِيرَ الَّتِي تَرُوجُ مَعَهُ رَوَاجَ الْكَامِلَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَنَقْصِ الْمِكْيَالِ الْمُتَعَارَفِ.

الثَّالِثُ: أَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّ الْفُلُوسَ الْجُدُدَ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي الطِّرَازِ الْمَذْهَبُ لَا زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا عَدَدًا خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ.

وَلَمَّا كَانَ اخْتِلَافُ قَدْرِ النِّصَابِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ مُوهِمًا لِعَدَمِ جَوَازِ جَمِيعِ النِّصَابِ مِنْهُمَا دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُجْمَعَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) لِنَقْصِ كُلٍّ عَنْ النِّصَابِ (فِي الزَّكَاةِ) رِفْقًا بِالْفُقَرَاءِ فَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَمَّ الذَّهَبَ إلَى الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ إلَى الذَّهَبِ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهُمَا» . ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْجَمْعِ قَوْلَهُ: (فَمَنْ كَانَ لَهُ) مِنْ الْوَرِقِ وَزْنُ (مِائَةِ دِرْهَمٍ) مِنْ الْفِضَّةِ (وَ) لَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَزْنُ (عَشْرَةِ دَنَانِيرَ) أَوْ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَعِنْدَهُ دِينَارٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا (فَلْيُخْرِجْ مِنْ كُلِّ مَالٍ رُبْعَ عُشْرِهِ) لَكِنْ بِالتَّجْزِئَةِ وَالْمُقَابَلَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِينَارٍ فِي مُقَابَلَةِ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ دِينَارَ الزَّكَاةِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ لَا بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ وَمُجْمَعٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَإِنْ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>