للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسَارِهِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ

ثَلَاثَةً خَبَبًا ثُمَّ أَرْبَعَةً مَشْيًا

وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُكَبِّرُ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ

ــ

[الفواكه الدواني]

عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: بَلْ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى بَنِي آدَمَ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا فَأَلْقَمَهُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَهُوَ يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ قَبَّلَهُ. (وَإِلَّا) : بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ بِفَمِهِ (وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْحَجَرِ (ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ) : عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَمَسُّهُ بِعُودٍ ثُمَّ يَضَعُهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرٍ تَقْبِيل، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَبَّرَ فَقَطْ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَلَا يَكْفِي الْعُودُ مَعَ إمْكَانِ الْيَدِ وَلَا وَضْعُ الْيَدِ مَعَ إمْكَانِ التَّقْبِيلِ، وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَفُهِمَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِوَضْعِ يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَضَعُ خَدَّهُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ بَلْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ. (ثُمَّ) : بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ (يَطُوفُ وَ) : الْحَالُ أَنَّ (الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ سَبْعَةَ أَطَوَافً) : أَيْ أَشْوَاطٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهَذَا الطَّوَافُ يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَجِّ طَوَافٌ قَبْلَ عَرَفَةَ إلَّا طَوَافَ الْقُدُومِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَوُجُوبُهُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ إمَّا وُجُوبًا كَالْآفَاقِيِّ الْقَادِمِ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ نَدْبًا كَالْمُقِيمِ الَّذِي مَعَهُ نَفْسٌ وَخَرَجَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ مِنْ الْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، وَكَذَا الْمُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ إنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ بِأَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا مُقْتَحِمًا لِلنَّهْيِ، فَمَعْنَى إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ إنْ طُولِبَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْحِلِّ أَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ. وَثَانِيهَا: أَنْ لَا يُرَاهِقُ، وَأَمَّا لَوْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَخَافَ فَوَاتَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ أَرْدَفَ بِحَرَمٍ فَلَا قُدُومَ عَلَيْهِ وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ حَتَّى يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ،؛ لِأَنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى عَرَفَةَ إنْ طَافَ لِلْقُدُومِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ عِنْدَ الْمُرَاهَقَةِ أَوْ الْإِرْدَافِ.

١ -

(تَنْبِيهٌ) : أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مُعْظَمَ شُرُوطِ الطَّوَافِ وَهِيَ: الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَلَوْ طَافَ مُحْدِثًا وَلَوْ عَجْزًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ أَحْدَثَ مِنْ حَالِ طَوَافِهِ ابْتَدَأَهُ وَيَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ الطَّوَافُ رُكْنًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ طَافَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَيَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ رُكْنِيًّا، وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمُحْدَوْدَبُ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ، وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجَرِ، فَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ السِّتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجَرِ بَلْ طَافَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْبَيْتِ، وَأَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَشْوَاطُ مُتَوَالِيَةً، فَلَوْ فَرَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا أَوْ لِعُذْرٍ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى طَهَارَتِهِ فَلَا يَضُرُّ، وَأَمَّا لَوْ نَسِيَ شَوْطًا فَإِنْ ذَكَرَهُ بِالْقُرْبِ مَعَ بَقَاءِ طَهَارَتِهِ عَادَ إلَيْهِ كَمَا يَبْنِي فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْقُرْبِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ بَطَلَ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، وَأَمَّا لَوْ فَرَّقَ لِصَلَاةٍ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ لِطَلَبِ نَفَقَةٍ ضَاعَتْ، فَإِنْ كَانَ طَلَبَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَتْ الْجِنَازَةُ مُتَعَيِّنَةً وَيَخْشَى تَغَيُّرَهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي كَمَا يَبْنِي عِنْدَ قَطْعِهِ لِفَرِيضَةٍ يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ، أَوْ لِرُعَافِ بَنَى أَوْ لِغُسْلِ نَجَاسَةٍ عَلِمَ بِهَا فِي صَلَاتِهِ أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ طَوْلٌ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَشْوَاطُ سَبْعَةً، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهَا شَوْطٌ أَوْ بَعْضُهُ وَلَوْ شَكًّا مِنْ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ رَجَعَ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ زَادَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ سَهْوًا فَلَا تُبْطِلُهُ إلَّا إنْ بَلَغَتْ مِثْلَهُ، وَأَمَّا عَمْدًا فَيَبْطُلُ وَلَوْ بِزِيَادَةِ شَوْطٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّلَاةِ.

قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَلِي فِيهِ بَحْثٌ وَيَظْهَرُ لِي عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِيَسِيرِ الزِّيَادَةِ، وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ وَبَنَى عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ الشَّكِّ إلَّا الْمُسْتَنْكِحَ كَالصَّلَاةِ، وَيُقْبَلُ إخْبَارُ الْغَيْرِ بِالْكَمَالِ وَلَوْ وَاحِدًا حَيْثُ كَانَ عَدْلًا، وَيَنْبَغِي لِلطَّائِفِ أَنْ يَحْتَاطَ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ الطَّوَافَ، بِأَنْ يَقِفَ قَبْلَ الرُّكْنِ بِقَلِيلٍ حَيْثُ يَصِيرُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ عَنْ يَمِينِ مَوْقِفِهِ لِيَسْتَوْعِبَ جُمْلَتَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَجَرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فَلْيَنْتَبِهْ لِذَلِكَ، وَقُلْنَا مُعْظَمُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا بَيَّنَّا. (فَائِدَةٌ) : ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ.

وَبَيَّنَ صِفَةَ طَوَافِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الرِّجَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِقَوْلِهِ (ثَلَاثَةً) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ سَبْعَةً وَ (خَبَبًا) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَامِلُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يَخَبُّ فِيهَا خَبَبًا، أَوْ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَطُوفُ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنَكَّرَ يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ أَيْ خَابًّا أَيْ مُسْرِعًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْخَبَبَ وَهُوَ الرَّمَلُ مَا فَوْقَ الْمَشْيِ وَدُونَ الْجَرْيِ بِأَنْ يَمْشِيَ هَازًّا لِمَنْكِبَيْهِ، وَحُكْمُ الْخَبَبِ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ السُّنِّيَّةُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ فِيهَا فِي حَقِّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَرَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ وَمِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِفُ صَبِيًّا أَوْ مَرِيضًا وَحُمِلَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ رَجُلٍ فَيَرْمُلُ الْحَامِلُ وَيُحَرِّكُ الدَّابَّةَ كَمَا يُحَرِّكُهَا بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَالْمَطْلُوبُ عِنْدَ الزَّحْمَةِ الرَّمَلُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ فَلَا يُكَلَّفُ فَوْقَهَا، وَلَا دَمَ عَلَى التَّارِكِ لَهُ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَقَيَّدْنَا بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>