للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

عَلَيْهِمَا الْمُشَارِ إلَيْهَا بِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَقِيلَ الْفُحْشُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ» .

قَالَ الْحَافِظُ الْمَبْرُورُ: الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ فِيهِ صَاحِبُهُ مَعْصِيَةً، وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَأْثَمِ، وَيَتَعَذَّرُ وُقُوعُهُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَمَا شَاهَدْنَاهُ، وَقِيلَ الْمَقْبُوضُ

١ -

وَمِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ أَنْ يَزْدَادَ الشَّخْصُ بَعْدَ فِعْلِهِ خَيْرًا، وَقَوْلُهُ: «خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ صَارَ بِلَا ذَنْبٍ وَظَاهِرُهُ غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ وَالتَّبِعَاتِ، وَقَالَ الْأَبِيُّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَمَّا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَلَا يَهْدِمَانِ إلَّا الصَّغَائِرَ وَفِي هَدْمِهِمَا لِلْكَبَائِرِ نَظَرٌ.

قَالَ الْأَبِيُّ: قُلْت الْأَظْهَرُ هَدْمُهَا ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الَّذِي يُسْقِطُهُ الْحَجُّ إثْمَ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ التَّشْبِيهَ بِيَوْمِ الْوِلَادَةِ يَقْتَضِي سُقُوطَ تَبِعَاتِ الْعِبَادِ وَقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَجَابَ بِأَنَّ لَفْظَ الذُّنُوبِ لَا يَتَنَاوَلُهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ وَحُقُوقَ عِبَادِهِ فِي الذِّمَّةِ لَيْسَتْ ذَنْبًا إنَّمَا الذَّنْبُ الْمَطْلُ فِيهِ، فَيَتَوَقَّفُ حَقُّ الْآدَمِيِّ عَلَى إسْقَاطِ صَاحِبِهِ، فَاَلَّذِي يُسْقِطُهُ الْحَجُّ إثْمَ مُخَالَفَةِ اللَّهِ فَقَطْ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَعْيَانَ الْمَغْصُوبَةَ لَيْسَتْ ذَنْبًا، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ أَخْذُهَا مِنْ مَالِكِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَحَبْسُهَا عَنْهُ، وَكَذَا أَعْيَانُ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ لَيْسَتْ ذُنُوبًا، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ الصَّغَائِرَ اتِّفَاقًا وَكَذَا الْكَبَائِرُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْأَبِيُّ، وَأَمَّا التَّبِعَاتُ كَالْغَيْبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ: فَعِنْدَ الْحَافِظِ تَسْقُطُ وَعِنْد الْقَرَافِيِّ لَا تَسْقُطُ، وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ فِي الذِّمَّةِ وَالْكَفَّارَاتُ وَالدُّيُونُ وَالْوَدَائِعُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْغَيْرِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْحَجِّ وَلَا غَيْرِهِ بِإِجْمَاعِ الشُّيُوخِ، نَعَمْ إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِ الْمُسْتَحِقِّ لِمَوْتِهِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْهُ فَلْيَلْجَأْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْ كَرَمِهِ أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

وَمِنْ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمُرِيدِ الْحَجِّ إخْلَاصُ النِّيَّةِ فِي سَفَرِهِ لِتَكُونَ جَمِيعُ حَرَكَاتِهِ لِلَّهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ يَنْظُرَ فِي أَمْرِ الزَّادِ وَمَا يُنْفِقُهُ فَيَكُونَ مِنْ أَطْيَبِ جِهَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْثِيرُ الزَّادِ لِيُوَاسِيَ مِنْهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِمَا وَرَدَ: أَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي الزَّادِ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ رُبَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقًا صَالِحًا يُعِينُهُ عَلَى الْخَيْرِ وَيَرَى لَهُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ، فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ مَعَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَارِقَهُ لِيَذْهَبَ مِنْ بَيْنِهِمَا الْحِقْدُ وَالْغِلُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّفْتِيشُ عَلَى الرَّفِيقِ الصَّالِحِ الْحَافِظِ لِدِينِهِ الْمُتَحَرِّي فِي عَمَلِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِذَا فَاتَهُ فَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالتَّبْكِيرُ أَحْسَنُ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا خَرَجَ مِنْ سَفَرِهِ إلَّا يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ» وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إذَا خَرَجَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِمَا فِي الطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا خَلَّفَ أَحَدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا» أَوْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَلِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ثَلَاثًا لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ السَّلَفِ، وَيَدْعُو مَعَ حُضُورِ قَلْبِهِ بِحُصُولِ مَا يَطْلُبُهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبِالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ فِي سَفَرِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَدِّعَ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ فَيَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك وَأَمَانَتَك وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك، زَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ لَك ذَنْبَك وَيَسَّرَ لَك الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْت، وَيَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: هُدِيت وَكُفِيت وَوُقِيت» وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ أَيْضًا عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» . وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ عِنْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأُمُورِ وَلَا سِيَّمَا حَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إظْهَارُ الِانْكِسَارِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ بِالْأَدْعِيَةِ الصَّالِحَةِ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ هُنَا وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَهُوَ مَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيثُ» .

قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْعَوَامّ مِنْ تَزْيِينِ الْجِمَالِ وَالْمَحْمَلِ بِالْحَرِيرِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرِيحَ دَابَّتَهُ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْعَقَبَاتِ، وَلَا يُكْثِرُ النَّوْمَ عَلَيْهَا وَلَا يُحَمِّلُهَا مَا لَا تُطِيقُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ عَدَمُ زِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَيُطْلَبُ مِنْهُ الرِّفْقُ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ عِنْدَ الْمِيَاهِ، وَيَحْرُمُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَبَّارِينَ مِنْ مَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>