للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ الْإِمَامُ أَوْ يَنْحَرَ أَعَادَ أُضْحِيَّتَهُ

وَمَنْ لَا إمَامَ لَهُمْ فَلْيَتَحَرَّوْا صَلَاةَ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ وَذَبْحَهُ.

وَمَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَمَفْهُومُ الْقَرْنِ أَنَّ كَسْرَ نَحْوِ الرِّجْلِ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ بِالْأَوْلَى.

وَأَمَّا مَكْسُورَةُ السِّنِّ أَوْ مَقْلُوعَتُهَا فَفِيهَا تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ أَنَّ فَقْدَ الْوَاحِدَةِ وَأَوْلَى كَسْرُهَا لِغَيْرِ إثْغَارٍ، وَلِغَيْرِ كِبَرٍ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَذَهَابُ الِاثْنَيْنِ كَغَيْرِهِمَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ عَلَى الرَّاجِحِ، وَإِمَّا لِإِثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ فَلَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَلَوْ الْجَمِيعُ، وَأَمَّا الْعُيُوبُ غَيْرُ الْفَاحِشَةِ فَالسَّلَامَةُ مِنْهَا مَنْدُوبَةٌ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا بِأَنْ لَا تَكُونَ خَرْقَاءَ حَيْثُ كَانَ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مُقَابَلَةً، وَهِيَ الْمَقْطُوعَةُ بَعْضِ الْأُذُنِ وَيُتْرَكُ الْمَقْطُوعُ مُعَلَّقًا قِبَلَ وَجْهِهَا فَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا فَهِيَ الْمُدَابَرَةُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ شَرْقَاءُ، وَهُوَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ حَسَنَةَ الصُّورَةِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ سَمِينَةً، وَأَنْ تَكُونَ بَيْضَاءَ وَقَرْنَاءَ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّمْنَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَذْكِيَتِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلْيَلِ الرَّجُلُ) أَيْ الْمُضَحِّي مُطْلَقًا عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ (ذَبْحَ) الْمُرَادُ تَذْكِيَتَهُ (أُضْحِيَّتِهِ) أَوْ هَدْيِهِ أَوْ فِدْيَتِهِ (بِيَدِهِ) ، وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنْ لَمْ يُطِقْ إلَّا بِمُعِينٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نُدِبَتْ مُبَاشَرَةُ الذَّكَاةِ اقْتِدَاءً بِالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَاضُعِ، وَلِذَلِكَ تُكْرَهُ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُبَاشَرَةَ صَحَّ إنَابَتُهُ مُسْلِمًا صَالِحًا، فَإِنْ، وَكَّلَ تَارِكَ الصَّلَاةِ صَحَّتْ ضَحِيَّتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ، وَكَّلَ كَافِرًا لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ كِتَابِيًّا وَتَصِيرُ شَاةَ لَحْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كِتَابِيًّا لَمْ تُؤْكَلْ، وَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا حَلَّ أَكْلُهَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ إنَابَةٌ بِلَفْظٍ إنْ أَسْلَمَ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ أَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ أَوْ بِعَادَةٍ كَقَرِيبٍ، وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ لَا إنْ غَلِطَ فَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدِهِمَا.

ثُمَّ بَيَّنَ زَمَنَ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ) مَا يُذْبَحُ (أَوْ نَحْرِهِ) مَا يُنْحَرُ حَيْثُ كَانَ الذَّبْحُ (فِي) أَوَّلِ (يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ (النَّحْرِ ضَحْوَةً) ، وَهُوَ وَقْتُ حِلِّ النَّافِلَةِ، وَهَذَا أَوَّلُ وَقْتِهَا لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا أَوَّلُ وَقْتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَخُطْبَتِهِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِمَامِ إمَامُ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُ الطَّاعَةِ أَخْرَجَ أُضْحِيَّتَهُ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ ذَبْحَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١] فَإِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ قَالَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ ذَبَحُوا قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَيَّدْنَا بِالضَّحِيَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْهَدْيِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ بَعْدَ ذَبْحِ إمَامٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ لَا يُصَلِّي الْعِيدَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا أَوَّلَ يَوْمٍ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يُرَاعَى قَدْرُ زَمَنِ ذَبْحِ الْإِمَامِ، بَلْ يَدْخُلُ وَقْتُ الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لِحِلِّ النَّافِلَةِ.

(تَنْبِيهٌ) إذَا عَلِمَ أَنَّ ذَبْحَ غَيْرِ الْإِمَامِ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُبْرِزَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْمُصَلَّى لِيَرَى النَّاسُ ذَبْحَهُ فَإِنْ لَمْ يُبْرِزْهَا فَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ.

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ قَوْلَهُ: (، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ الْإِمَامُ أَوْ) قَبْلَ أَنْ (يَنْحَرَ أَعَادَ أُضْحِيَّتَهُ) لِشَرْطِيَّةِ تَأْخِيرِ ذَبْحِهِ بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ، سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَخْرَجَ الضَّحِيَّةَ إلَى الْمُصَلَّى، سَوَاءٌ عَلِمَ الَّذِي ذَبَحَ قَبْلَهُ بِإِبْرَازِهَا أَوْ لَا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ أَخْرَجَ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى فَإِنَّ غَيْرَهُ يَتَحَرَّى قَدْرَ ذَبْحِهِ بِمَنْزِلَةٍ وَيَذْبَحُ وَيُجْزِئُهُ ذَبْحُهُ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَهُ حَيْثُ كَانَ عَدِمَ ذَبْحَ الْإِمَامِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى مَنْزِلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَدِمَ مُبَادَرَتَهُ إلَى الذَّبْحِ لِعُذْرٍ كَاشْتِغَالِهِ بِقِتَالِ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ ذَبْحَهُ إلَى أَنْ يَبْقَى لِلزَّوَالِ قَدْرَ ذَبْحِهِ فَيَذْبَحُ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: تَلَخَّصَ أَنَّ التَّحَرِّيَ لِذَبْحِ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يُبْرِزْ أُضْحِيَّتَهُ، وَأَمَّا لَوْ أَبْرَزَهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّحَرِّي مِنْ أَحَدٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الضَّحِيَّةِ حَيْثُ بَانَ السَّبْقُ صَلَّى السَّابِقُ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا، عَلِمَ إبْرَازَ الْإِمَامِ أَمْ لَا.

الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الذَّابِحَ مَعَهُ يَصِحُّ ذَبْحُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمُسَاوَاةُ كَالسَّبْقِ، وَمِثْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُ خَلِيلٍ وَأَعَادَ سَابِقُهُ إلَّا الْمُتَحَرِّيَ أَقْرَبَ إمَامٍ فَإِنْ لَمْ يُبْرِزْهَا وَتَوَانَى بِلَا عُذْرٍ قَدْرَهُ وَبِهِ انْتَظَرَ لِلزَّوَالِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ التَّأْخِيرُ عَنْ فِعْلِ الْإِمَامِ كَوُجُوبِ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَخَلِيلٌ: وَمَنْ ذَبَحَ مَعَ الْإِمَامِ أَعَادَ لَفُهِمَ مِنْهُ إعَادَةُ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى

، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى ذَبْحِ مَنْ لَهُ إمَامٌ شَرَعَ فِي وَقْتِ ذَبْحِ مَنْ لَا إمَامَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ لَا إمَامَ لَهُمْ) فِي صَلَاةِ الْعِيدِ (فَلْيَتَحَرَّوْا صَلَاةَ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ وَذَبْحَهُ) بَعْدَ خُطْبَتِهِ، وَإِذَا تَحَرَّوْا وَبَانَ سَبْقُهُمْ لَهُ أَجْزَأَهُمْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأَعَادَ سَابِقُهُ إلَّا الْمُتَحَرِّيَ أَقْرَبَ إمَامٍ أَيْ فَلَا يُعِيدُ، وَحَدَّ بَعْضُهُمْ الْقُرْبَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَنَارِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْتِي لِصَلَاةِ الْعِيدِ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا بَعُدَ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ. (تَنْبِيهٌ) بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَنْ لَهُمْ إمَامٌ، وَلَيْسَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ وَيَظْهَرُ أَنْ يَتَحَرَّوْا وَقْتَ فَرَاغِ ذَبْحِهِ بَعْدَ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ، وَكَذَا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ إمَامٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَتَحَرَّوْا ذَبْحَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَحَرَّوْا ذَبْحَ إمَامِهِمْ إنْ لَوْ كَانَ لَهُمْ إمَامٌ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى بِالتَّحَرِّي، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اكْتَفَى بِذَبْحِ مَنْ تَحَرَّى فِي مَحَلِّهِ وَتَبَيَّنَ سَبْقُهُ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِصَلَاةِ أَوْ صَوْمِ مَنْ تَحَرَّى وَتَبَيَّنَ سَبْقُهُ لِلْفَجْرِ أَوْ لِزَمَنِ الصَّوْمِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>