وَلَدَ لَهُ، وَلَا وَالِدَ لَهُ، وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ، لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلَا لِآخِرِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ.
، لَا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
لَهُ بُرْهَانُ التَّطَارُدِ وَتَقْرِيرُهُ لَوْ وُجِدَ عَلَى جِهَةِ الْمُفْرِضِ فَرْدَانِ مُتَّصِفَانِ بِصِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لَأَمْكَنَ التَّمَانُعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا صِحَّةَ زَيْدٍ وَالْآخَرُ سَقْمَهُ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ مُرَادُهُمَا وَهُوَ مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ لَا يَقَعَ مُرَادُهُمَا وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا لِاسْتِلْزَامِهِ عَجْزَهُمَا مَعَ اتِّصَافِهِمَا بِصِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ، أَوْ يَقَعَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا لِاسْتِلْزَامِهِ التَّرْجِيحَ بِلَا مُرَجِّحٍ وَاسْتِلْزَامِهِ عَجْزَ مَنْ فُرِضَ قَادِرًا وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَجْزُ الْآخَرُ بِانْعِقَادِ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِلَى هَذَا الْبُرْهَانِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] أَيْ وَلَمْ تَفْسُدَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ، وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ بُرْهَانُ التَّوَارُدِ أَيْضًا وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ وُجِدَ إلَهَانِ مُتَّصِفَانِ بِصِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ، فَإِذَا قَصَدَا إيجَادَ مَقْدُورٍ مُعَيَّنٍ فَوُقُوعُهُ إمَّا بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ مُؤَثِّرَيْنِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ مَخْلُوقٌ قَطْعًا، وَلَوْ تَوَارَدَ عَلَيْهِ قُدْرَتَانِ وَارِدَتَانِ صَارَ أَثَرَيْنِ فَيَلْزَمُ انْقِسَامُ مَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ إنْ قُدِّرَ أَنَّ الَّذِي أَوْجَدَهُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الَّذِي أَوْجَدَهُ الْآخَرُ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ،؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا وُجُودٌ وَاحِدٌ لَا يُمْكِنُ انْقِسَامُهُ، وَأَمَّا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ إنْ قُدِّرَ الَّذِي أَوْجَدَهُ كُلَّ وَاحِدٍ هُوَ مَا أَوْجَدَهُ الْآخَرُ فَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا وَأَنَّ الْإِيجَادَ بِأَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى لِلْقَادِرِيَّةِ ذَاتُ الْإِلَهِ وللمقدورية إمْكَانُ الْمُمْكِنِ، فَنِسْبَةُ الْمُمْكِنَاتِ إلَى الْإِلَهَيْنِ الْمَفْرُوضَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا اللَّقَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
، وَأَشَارَ إلَى صِفَاتِ السُّلُوبِ وَهِيَ الْمُخَالِفَةُ لِلْحَوَادِثِ بِقَوْلِهِ: (وَ) مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ اعْتِقَادُ أَنَّهُ تَعَالَى (لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ) فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، وَالنَّظِيرُ بِمَعْنَى الشَّبِيهِ فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَنَزُّهُهُ عَنْ الشَّبِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَشْبَهَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لَكَانَ مُشْبِهًا لَهُ وَجَائِزًا عَلَيْهِ الْفَنَاءُ الْجَائِزُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَزِمَ كَوْنُهُ خَالِقًا وَمَخْلُوقًا وَقَدِيمًا وَحَادِثًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] فَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةِ تَنْزِيهٌ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُجَسِّمَةِ وَآخِرُهَا إثْبَاتٌ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ النَّافِينَ لِزِيَادَةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَقَدَّمَ فِيهَا النَّفْيَ عَلَى الْإِثْبَاتِ.
وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الْعَكْسُ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْإِثْبَاتَ فِيهَا لَأَوْهَمَ التَّشْبِيهَ بِالْمَخْلُوقِ الَّذِي سَمْعُهُ بِأُذُنٍ وَبَصَرَهُ بِحَدَقَةٍ، فَقَدَّمَ التَّنْزِيهَ لَيَعْرِفَ السَّامِعُ ابْتِدَاءً أَنَّهُ لَيْسَ مُشَابِهًا لِشَيْءٍ مِنْ الْحَوَادِثِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى مُخَالَفَتِهِ تَعَالَى لِسَائِرِ الْحَوَادِثِ وَهِيَ أَقْمَعُ آيَةٍ لِلشَّيْطَانِ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْإِنْسَانِ فِي مَقَامِ الْبَحْثِ عَنْ ذَاتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى (لَا وَلَدَ لَهُ) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: ٩٢] وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: ٩١]
(وَ) كَذَا (وَلَا وَالِدَ لَهُ) فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ أَحَدٍ، وَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالْوَالِدُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأُمَّ أَيْضًا.
(وَ) كَذَا يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُ (لَا صَاحِبَةَ) أَيْ لَا زَوْجَةَ (لَهُ) وَلَا صَدِيقَ وَلَا ضِدَّ وَلَا وَزِيرَ لَهُ.
(وَ) كَذَا يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُ تَعَالَى (لَا شَرِيكَ لَهُ) لَا فِي الذَّاتِ وَلَا فِي الصِّفَاتِ وَلَا فِي الْأَفْعَالِ، وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ نَفَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ حَتَّى نَفَتْ أُصُولَ الْكُفْرِ مِنْ الْعَدَدِ وَالنَّقْصِ الَّذِي هُوَ الِاحْتِيَاجُ، وَالتَّقْلِيلُ بِالْقَافِ الَّذِي هُوَ الْبَسَاطَةُ وَالْعِلَّةُ وَالْمَعْلُولُ وَالشَّبِيهُ وَالنَّظِيرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] نَفْيُ الْكَثْرَةِ بِمَعْنَى التَّرْكِيبِ وَالْعَدَدِ، وَ {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] نَفْيُ النَّقْصِ الَّذِي هُوَ الِاحْتِيَاجُ وَالتَّقْلِيلِ الَّذِي هُوَ الْبَسَاطَةُ، وَ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: ٣] نَفْيُ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] نَفْيُ الشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَنَزُّهُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِ الْمَخْلُوقَاتِ وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ زَكَرِيَّا إذَا رَأَتْ الْخَلَائِقُ رَبَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحُجِبُوا عَنْ رُؤْيَتِهِ هَلْ يَتَخَيَّلُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّخَيُّلِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْخَيَالِ مَثَلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَثَلٌ أَوْ يُدْرَكُ بِالْوَهْمِ أَوْ الْخَيَالِ، هَذَا مَا تَقْتَضِيه ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ خِلَافًا لِبَحْثِ بَعْضِ الشُّيُوخِ.
فَإِنْ قُلْت: لَهُ التَّنْزِيهُ عَنْ الْمِثْلِ نَفْيَ الْمِثْلِ لَهُ تَعَالَى وَهُوَ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم: ٢٧] قُلْت: الْمَثَلُ الْمُثْبَتُ لَهُ تَعَالَى غَيْرُ الْمَثَلِ الْمَنْفِيِّ، فَالْمَثَلُ الْمَنْفِيُّ بِمَعْنَى الْمُمَاثِلِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَالْمُثْبَتُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} [النحل: ٦٠] أَيْ لَهُمْ صِفَةُ النَّقْصِ وَهِيَ الْحَاجَةُ إلَى الْوَلَدِ، وَبِدَلِيلِ {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل: ٦٠] أَيْ الْوَصْفُ وَهُوَ الْوُجُوبُ الذَّاتِيُّ وَالْغِنَى الْمُطْلَقِ وَالْجُودُ الْفَائِقُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
قَالَهُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْجَزَائِرِيَّةِ.