للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَصَلَهَا بِيَمِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَصْمُتَ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ

وَالْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ أَرْبَعَةٌ فَيَمِينَانِ تُكَفَّرَانِ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ إنْ فَعَلْت أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يُفِدْهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا يُنَجَّزُ فِيهِ الطَّلَاقُ: أَوْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَدْ عَرَفْت مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالثُّنْيَا الِاسْتِثْنَاءُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ أَرَادَ، أَوْ قَضَى، عَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ مَجَازٌ بِحَسَبِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِخْرَاجِ وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ بِقَوْلِنَا: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُخْرِجٌ لِبَعْضِ أَحْوَالِ الشُّرُوطِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، فَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَالِاصْطِلَاحِيِّ مُطْلَقُ الْإِخْرَاجِ.

الثَّانِي: شَرَطَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي إفَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ كَوْنُهُ فِي أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ حَيْثُ قَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِهِ: إنَّمَا اخْتَصَّتْ الْمَشِيئَةُ بِالْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَاضٍ إمَّا لَغْوٌ أَوْ غَمُوسٌ، وَلَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَوَضَّحَ ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْمَاضِي لَا تُكَفَّرُ؛ لِأَنَّهَا إمَّا لَغْوٌ أَوْ غَمُوسٌ أَوْ صَادِقَةٌ، وَأَنَّ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْمُسْتَقْبَلِ تُكَفَّرُ، وَلَوْ لَغْوًا أَوْ غَمُوسًا، وَأَنَّ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْحَالِ تُكَفَّرُ إنْ كَانَتْ غَمُوسًا، وَلَا تُكَفَّرُ إنْ كَانَتْ لَغْوًا.

الثَّالِثُ: قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي إفَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَاللَّغْوِ النَّذْرُ الْمُبْهَمُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ فِيهِ الشَّيْءُ الْمَنْذُورُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا ثُنْيَا، وَلَا لَغْوَ فِي طَلَاقٍ، وَلَا مَشْيَ وَلَا صَدَقَةَ، وَلَا غَيْرَهَا إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ نَذْرٍ لَا مَخْرَجَ لَهُ، وَزَادَ الْأُجْهُورِيُّ: كُلُّ مَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَحَلِفِهِ بِالْكَفَّارَةِ.

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَفْهُومِ، وَلَا ثُنْيَا، وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى) بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْ يُرِيدَ أَوْ يَقْضِيَ ثُمَّ فَعَلَهُ اخْتِيَارًا. (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِوُجُودِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ بِشُرُوطٍ أَحَدِهَا. (إذَا قَصَدَ) بِقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ (الِاسْتِثْنَاءَ) أَيْ حِلَّ الْيَمِينِ لَا إنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ بِأَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ.

(وَ) ثَانِيهَا إنْ تَلَفَّظَ بِهِ بِأَنْ (قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ) ، وَإِنْ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ. (وَ) ثَالِثِهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ (وَصَلَهَا) أَيْ كَلِمَةَ إنْ شَاءَ (اللَّهُ بِيَمِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَصْمُتَ) ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الِاضْطِرَارِيُّ لِعُطَاسٍ أَوْ سُعَالٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأَفَادَ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ بِكَإِلَّا فِي الْجَمِيعِ إنْ اتَّصَلَ إلَّا لِعَارِضٍ وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ وَقَصَدَ وَنَطَقَ بِهِ، وَإِنْ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ أَوْ فَصَلَ اخْتِيَارًا بَيْنَ قَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ) الِاسْتِثْنَاءُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ رَأَى خَيْرًا مِنْهُ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .

فَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَنْفَعُهُ بَعْدَ حِينٍ لَمَا كَانَ لِلْكَفَّارَةِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ الْمُخَالِفَ بِالتَّكْفِيرِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ الْحَلِفِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ الْفَصْلِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مَنْوِيَّ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَمِينِ، بَلْ لَوْ طَرَأَتْ نِيَّتُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْيَمِينِ وَاتَّصَلَتْ بِاللَّفْظِ نَفَعَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ، بِخِلَافِ الْمُحَاشَاةِ فَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ نِيَّتِهَا قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالْيَمِينِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْمُحَاشَاةِ لَا بُدَّ أَنْ تَسْبِقَ النِّيَّةُ لَفْظَهُ بِالْحَلِفِ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَتَنْفَعُهُ النِّيَّةُ الْوَالِيَةُ لِتَمَامِ الْحَلِفِ، وَلَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الِاضْطِرَارِيُّ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُحَاشَاةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّلَفُّظِ، وَأَمَّا الْمُحَاشَاةُ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّلَفُّظِ بِمَا نَوَى إخْرَاجَهُ، فَلِذَا اشْتَرَطَ تَقَدُّمَ نِيَّةَ إخْرَاجِهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالْيَمِينِ، فَإِذَا قَالَ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّوْجَةِ مِنْ الْحَلَالِ بِنِيَّتِهِ لَمْ تُطْلَقْ عَلَيْهِ وَتُفِيدُهُ نِيَّتُهُ.

وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْحَلِفِ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَكِنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُحَاشَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّلَفُّظُ بِمَا حَاشَاهُ وَأَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ ابْتِدَاءً لَمْ يَدْخُلْ فِي لَفْظِ الْحَلَالِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ تُخَالِفُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي أَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: اشْتِرَاطُ التَّلَفُّظِ بِالْمُسْتَثْنَى فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي نَحْوِ قَوْلِك: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا بِخِلَافِ الْمُحَاشَاةِ. وَالثَّانِي: عَدَمُ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ إخْرَاجِهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَالْمُحَاشَاةُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ، وَإِيضَاحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصَ يُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ الْعَامُّ مُرَادًا بِهِ بَعْضَ أَفْرَادِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَعُمُومُهُ لَمْ يُرَدْ تَنَاوُلًا، وَلَا حُكْمًا، بَلْ لَفْظُ الْكُلِّيِّ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهِ، بِخِلَافِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا أَيْ لَفْظًا لَا حَقِيقَةً بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَالْحَلَالُ مِنْ قَوْلِ الْحَالِفِ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ مُحَاشِيًا الزَّوْجَةَ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ، فَاللَّفْظُ الْعَامُّ فِي الْمُحَاشَاةِ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ، وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ فَافْهَمْ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَحَلُّ إفَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا لَمْ تَكُنْ الْيَمِينُ فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: الِاسْتِثْنَاءُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>